عربيات ودوليات >اخبار عربية
هكذا خسر السوريون 35 مليار دولار
الاثنين 30 12 2024 07:38جنوبيات
على مدى العقود الخمسة الفائتة، كان معروفاً في سائر العالم العربي أنّ السيارات في سوريا هي الأغلى ثمناً في المنطقة. وذلك بسبب ارتفاع قيمة الرسوم الجمركية التي كان نظام آل الأسد (الأب ثم الابن) يفرضها على هذا القطاع، وقيمتها 400%.
بمعنى آخر أكثر تفصيلاً، فإنّ السيارة التي يبلغ ثمنها في لبنان مثلاً قرابة 25 ألف دولار، كان ثمنها في سوريا نحو 100 ألف دولار... وهذا السعر يمكن أن يرتفع بين سيارة وأخرى من الطراز والموديل نفسه بحسب المميزات (فتحة في السقف، تكييف، زجاج كهربائي...).
قطاع السيارات الأكثر مرونة
خلال 50 سنة، خنق نظام آل الأسد الاقتصاد في سوريا: منع المواطنين السوريين من الاستثمار بحرية. قيّد حركة الأموال، قونن الادخار في المصارف، فرض ضرائب خيالية... حتى كاد أن يحصي أنفاس الناس.
إذا لجأ المواطن السوري إلى المصرف لإيداع الأموال، منعته قوانين النظام من سحبها إلّا تقسيطاً (مليون ليرة كل شهر، أو ما يعادل 70 دولاراً بسعر صرف الليرة السورية اليوم).
إذا قرّر المواطن شراء عقار، مثل قطعة أرض أو منزل أو شقة سكنية في مبنى، فرضت عليه قوانين النظام إيداع نصف قيمة الصفقة في المصرف، ولن يستطيع المستفيد (البائع) من سحبها إلّا بالتقسيط أيضاً (مليون ليرة كل شهر كذلك).
قطاع السيارات كان من بين القطاعات الأقل قيوداً، إذ سُمح للسوريين بشراء وبيع السيارات بحرّية إلى حدّ بعيد، لكن بشرط إيداع مبلغ بسيط في المصرف، اسمه "إشعار بنك لتفريغ الملكية" وقيمته 5 ملايين فقط، أو ما يعادل 350 دولاراً اليوم، وتُسحب بمهلة قد تصل إلى 3 أشهر فقط.
هذا الواقع جعل قطاع السيارات مكاناً معقولاً لادخار الأموال بالسيارات نفسها، فتحوّل هذا القطاع مع الوقت، إلى ما يشبه ملاذاً فعالاً لـ "حفظ القيمة" و"الاستثمار المربح"، طالما أنّ قيمة الجمارك الـ 400% محفوظة... فتحوّل القطاع المذكور مع الوقت إلى ما يشبه "القطاع المصرفي". ولهذا السبب كذلك، كانت أعلى نسبة من السيارات القديمة موجودة في سوريا، لأنّ السيارة التي تُعاد صيانتها وتُرمم لا تخسر من سعرها، وإنما تحافظ عليه.
نسبة الخسارة قرابة 75%
اليوم، انقلب هذا الواقع رأساً على عقب بعد سقوط النظام، لأنّ التوجّه العام لدى أيّ حكومة جديدة ضمن أي تركيبة سياسية في نظام جديد، سوف تكون حكماً التوجّه نحو إلغاء تلك الرسوم الجمركية الخيالية... ولهذا يتوقع أغلب السوريين أن تفقد السيارات (الجديدة والقديمة) في جميع الأراضي السورية بين 70 و75% من قيمتها... مما يعني أنّ السيارة التي كان يبلغ ثمنها 100 ألف دولار (المثال أعلاه) ستعود إلى ثمنها المعقول 25 ألف دولار.
أحمد، مواطن سوري يعمل على خط بيروت دمشق، يملك 3 سيارات ويعمل على واحدة منها في النقل. يقول أحمد لـ "نداء الوطن" إن تلك السيارات الثلاث اشتراها بما يصل إلى 100 ألف دولار "جميع ما أملكه من أموال وضعته في السيارات الثلاث تلك. اليوم قطاع البيع منهار ولا أحد يتجرأ على شراء سيارة قبل معرفة قيمة الرسوم الجمركية الجديدة، التي يُتوقع أن تكون قليلة جداً لدفع الناس نحو التجديد".
يضيف أحمد: "عادة، إنّ سعر السيارة في سوريا لا ينقص وإنما يزيد مع مرور الوقت. ولهذا كنا نشتري السيارات لنحفظ أموالنا أولاً، وثانياً لنربح إذا اضطررنا إلى بيعها. كان تسييل تلك الأموال سهلاً جداً لأنّ قطاع السيارات كان رائجاً... لكن اليوم، تبخّر كل هذا. تبخّرت أموالي ولا أعرف ماذا أفعل. خسرت قرابة 70 ألف دولار نتيجة سقوط النظام. فرحنا لسقوطه، لكن في المقابل انخرب بيتي"... وهناك العديد من السوريين، مثل أحمد، يتحدثون باللغة نفسها.
خسائر "الودائع" 35 ملياراً
الإحصاءات، تُقدّر عدد السيارات المسجلة لدى دوائر النظام في سوريا، بما بين 2 مليون و2.5 مليون سيارة. أمّا أسعارها فهي متنوّعة، لكنّ أرخص سيارة من بينها لا يقلّ سعرها عن 10 آلاف دولار. وهذا يعني أنّ المعدل المقبول لسعر السيارة الواحدة، هو قرابة 20 ألف دولار.
في عملية حسابية بسيطة، يمكن القول إنّ قيمة قطاع السيارات في سائر الأراضي السورية قبل انهيار نظام الأسد، كانت بين 40 و50 مليار دولار. أما بعد انهياره، فإنّ هذا القطاع قد تقزّم إلى قرابة 15 مليار دولار، مسجلاً خسارة تصل قيمتها إلى نحو 35 مليار دولار تقريباً... وتلك هي بمنزلة "ودائع" لمواطنين سوريين، ارتأوا أن قطاع السيارات كان قادراً في أيام نظام الأسد على حفظها وحفظ قيمتها، لكن هذا الواقع قد تبخّر مع رحيل الأسد.