بأقلامهم >بأقلامهم
"أيها السادة" اخلعوا الأقنعة.. وموائمة القضية الفلسطينية ...!
جنوبيات
هذا المقال مستوحى من فكر المرحوم الدكتور العالم مصطفى محمود الذي عبر عنه في كتابه الشهير تحت عنوان(ايها السادة....اخلعوا الأقنعة).
عندما نتأمل الواقع الفلسطيني اليوم ، نجد أنه يمثل صورة حية لما تناوله الدكتور مصطفى محمود في كتابه و دعوته الجميع لخلع الأقنعة وكشف الحقيقة. هذا الواقع، المليء بالتعقيدات والتناقضات والشعارات والايديوليجيات الفكرية ، يكشف لنا كيف تداخلت المصالح الشخصية والسياسية مع المفاهيم و القضايا الوطنية القومية والدينية ، حتى بات من الصعب التمييز بين المخلص للقضية ومن يستغلها لمآربه الشخصية والحزبية والفكرية .
فلسطين الشعب والقضية .. ، تلك القضية التي تاهت بين الشعارات والمصالح الفئوية والحزبية والاجندات الإقليمية والدولية ، وتاه معها الشعب الفلسطيني بين هذا وذاك من مستخدمي القضية لمصالحهم او مصالح دولهم ومن العابثين والمتابعين والمسترزقين بها ، وبين المخلصين الذين نذروا انفسهم لها ولشعبها الذي لازال يعاني من منذ قرن ونيف من الزمان .
القضية الفلسطينية، تعد أعدل قضية في التاريخ السياسي والقانوني الدولي والإنساني الحديث، لقد تحولت بفعل هذه الأقنعة التي تحدث عنها الدكتور مصطفى محمود في كتابه المشار إليه، إلى ملف تتاجر به أطراف متعددة محلية واقليمية ودولية . لتجد نفسك أمام مشهد سوريالي معقد ومركب ، يزدحم بالأفكار و بالشعارات الكبيرة و الرنانة والكلمات البليغة التي تدّعي ظاهريا نصرة فلسطين وشعبها ، بينما تأتي النتائج الكارثية التي يتجرعها الشعب الفلسطيني على مدى هذه العقود الممتدة من العذاب والقتل والدمار والتشريد والتشويه و الحقيقة ظاهرة على أرض الواقع تقول شيئًا مختلفًا تمامًا....!
الدول الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن وخاصة الولايات المتحدة الامريكية ، التي تزعم إنها رعاية السلام، ليست سوى دول كبرى متورطة في ترسيخ الاحتلال الإسرائيلي وإدامة المعاناة للشعب الفلسطيني .
إنها الأقنعة الدبلوماسية لهذه الدول التي تخفي أطماعًا سياسية و اقتصادية واستراتيجية، بينما في حقيقة الأمر يستمر القمع والقتل والدمار والتشريد للشعب الفلسطيني ، ويستمر الاحتلال الأسرائيلي الغاشم لفلسطين وشعبها بلا رادع ويستمر تغييب الحقوق الوطنيةالثابته للشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف .
أما الإعلام العربي والدولي ، فهو يعكس صورة مشوهة للقضية وللشعب الفلسطيني ، يغرق المواطن العربي والعالمي في أخبار متضاربة ومتناقضة ، تجعل الحقيقة تائهة وسط بحر من الدعاية والمصالح المتعارضة .
يتم تسليط الضوء على مشاهد محددة تتوافق ومصالح وسياسات وغايات هذا الطرف او ذاك ، او تدغدغ عواطف الشعوب وتُرضي الرأي العام المحلي احيانا ، بينما يتم التعتيم على حقيقة الجرائم الإبادية اليومية للاحتلال الإسرائيلي .
الانقسام الفلسطيني.. هناك أقنعة داخلية تزيد المشهد تعقيدًا تتمثل في حالة الإنقسام الفلسطيني التي نتجت عن انقلاب حركة حماس صيف عام 2007 م وفصلت قطاع غزة واستفردت في حكمه ، تحت شعارات براقه ، لكن الواقع كشف خوائها وكارثيتها على الشعب الفلسطيني وقضيته ، وكانت خدمة مباشرة لأهداف وغايات الإحتلال والإستيطان والهدم والقتل والدمار والتشريد والتشويه التي يسعى لتحقيقها الإحتلال الإسرائيلي .
هكذا داخل الصف الفلسطيني نفسه، تبدو الأقنعة التي تحدث عنها الدكتور مصطفى محمود رحمه الله أكثر وضوحًا ، إنه الانقسام واستمراره ومبرراته الواهية والكاذبة بين الفصائل الفلسطينية، والذي تجاوز مجرد الخلاف الرئيسي و السياسي إلى صراع على السلطة وامتيازاتها ، والذي مثّل خنجرًا قاتلا في خاصرة الشعب و القضية الفلسطينية .
رغم ان كل طرف من طرفي الإنقسام يدعي احقية تمثيل الشعب الفلسطيني والدفاع عن حقوقه، لكن الواقع يكشف أن المصالح الفئوية والحزبية وبعض المصالح الإقليمية والدولية هي التي تقف خلف استمرار هذا الإنقسام منذ حدوثه والى غاية الآن ، باتت تلك القوى هي التي تتحكم بالمشهد الإنقسامي المشين رغم كل مايتعرض له الشعب الفلسطيني من مأساة يندى لها الجبين .
اللحية والأقنعة التي تحدث عنها الدكتور مصطفى محمود في كتابه الشهير يمكن إسقاطها على الحالة الفلسطينية ، وتفسر تعقيدات المشهد الفلسطيني من مختلف جوانبه .
ترى قيادات ترفع شعارات المقاومة، لكنها تجلس على طاولات المفاوضات لتحقيق مكاسب سياسية.
ترى من ينادي بالوحدة لكنه للاسف يزرع بذور الفرقة والتكفير والتخوين بين أبناء الوطن والشعب الواحد.
اما الاحتلال الإسرائيلي نفسه فهو يتقن لعبة الأقنعة بامتياز ، فهو يروج للعالم عن نفسه صورة "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، بينما يمارس أبشع أنواع القمع والقتل والإبادة والتهجير والتدمير و يمارس ابشع اشكال التمييز العنصري ضد الفلسطينيين سواء في المناطق المحتلة عام 1948 م او المحتلة عام 1967 م ، يتحدث في اعلامه عن الأمن و السلام والإزدهار والإستقرار ، و ينكر حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني ، و يواصل سرقة الأراضي وبناء المستوطنات في كافة انحاء الاراضي المحتلة ويصادر الممتلكات العامة والخاصة ويعمل جاهدا على تهويد كل شيء وعلى طمس هوية الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته ، وفي مقدمة ذلك تهويد مدينة القدس التي تحتضن المقدسات المسيحية والإسلامية ، ليس هذا فقط بل زيادة في التضليل للرأي العام يعمل الإعلام الإسرائيلي والغربي لتقديم صورة مقلوبة ومشوهة عن الواقع ، حيث يصور الاحتلال كضحية، والفلسطيني كمعتدٍ وارهابي ، مستخدمًا بذلك قناع التضليل الذي يخدع به المجتمع الدولي.
اما أقنعة المجتمع الدولي.. تتمثل في صمت مريب و تواطئ مع سياسات الإحتلال وانتهاكاته اليومية الصارخة لقواعد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية .
هذا المجتمع الدولي، الذي يدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان نظريا واعلاميا ، فهو يرتدي أقنعة الدبلوماسية والحياد ليغطي على انحيازه السافر للعدوان على الشعب الفلسطيني .
القرارات الأممية التي تُصدرها المؤسسات الدولية بشأن فلسطين ، تبقى حبرًا على ورق، ولا تُترجم إلى أفعال على أرض الواقع ، بل إن كثيرًا من القوى الكبرى وخاصة الولايات المتحدة وغيرها تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في دعم الاحتلال والإستيطان الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية واستمراره.
الحل يكمن في خلع الأقنعة والعودة إلى الجوهر
، كما دعا الدكتور مصطفى محمود في كتابه الشهير ، الحل يبدأ بخلع الأقنعة وكشف الحقيقة كما هي . يجب أن تتكاتف الجهود الفلسطينية أولًا لتحقيق الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام، لأن استمرار الانقسام هو أخطر الأقنعة التي تؤذي القضية.
يجب أن يُظهر الفلسطينيون شعبا واحدا قيادة واحدة وسلطة واحدة ، ورؤية وبرنامجا نضاليا وسياسيا واحدا مستقلا ، دون تدخل من اي اطراف خارحية او اجندات اجنبية كما هو حاصل الآن ، وان تكون القيادة صادقة مع شعبها وقضيتها، بعيدة عن الشعارات الجوفاء والمصالح الحزبية واستقطابات القوى والمحاور الإقليمة والدولية .
على الإعلام العربي والدولي أيضًا أن يتحمل مسؤوليته الأخلاقية في عرض الحقيقة كما هي دون تحيز وبموضوعية متناهية .
على الشعوب العربية والإسلامية أن تدرك أن دعم فلسطين ليس شعارًا يرفع في المظاهرات فقط، بل هو واجب و التزام عملي وسياسي وثقافي وأخلاقي وتاريخي معنوي ومادي دائم ، حتى تتحقق اهداف الشعب الفلسطيني ، في العودة وتقرير المصير و إقامةدولته المستقلة وعاصمتها القدس .
ختامًا، إن قضية فلسطين ستظل النموذج الأوضح لكيفية تأثير الأقنعة ، المحلية والإقليمية والدولية ، في تشويه القضايا العادلة.
إن خلع الأقنعة عن الجميع—الداخلية والخارجية—هو الخطوة الأولى نحو تحقيق الأمن والسلام والأستقرار والإزدهار ، و تحرير الأرض والإنسان و تحقيق الحرية والعودة والمساواة وتقريرالمصير للشعب الفلسطيني ، وإعادة البوصلة نحو الحقيقة التاريخية والاجتماعية والقانونية و العدل والحق الذي لا يضيع مهما طال الزمن فهي حتمية وواجبة ، مهما طال الزمن .