بأقلامهم >بأقلامهم
سوريا بعد سقوط بشار الأسد وصعود "هيئة تحرير الشام"... بين الفوضى والاستقرار
سوريا بعد سقوط بشار الأسد وصعود "هيئة تحرير الشام"... بين الفوضى والاستقرار ‎الأحد 5 01 2025 22:26 د. عبد الرحيم جاموس
سوريا بعد سقوط بشار الأسد وصعود "هيئة تحرير الشام"... بين الفوضى والاستقرار

جنوبيات

تشكل التحولات السياسية والاجتماعية الكبرى في سوريا منذ اندلاع الثورة عام 2011 صورة معقدة للوضع الراهن والمستقبلي،  وفي السيناريو المفترض بسقوط نظام بشار الأسد وصعود هيئة تحرير الشام (HTS) إلى السلطة، تُطرح أسئلة جوهرية حول مصير سوريا: هل تسير نحو الفوضى والاقتتال الداخلي والتقسيم، أم نحو الاستقرار وإعادة بناء دولة ديمقراطية موحدة؟

هيئة تحريرالشام: من الإرث الجهادي إلى سدة  الحكم

هيئة تحرير الشام، التي نشأت من تحولات فكرية وعسكرية لتنظيمات مرتبطة بالقاعدة  وداعش مثل جبهة النصرة، حاولت في السنوات الأخيرة إعادة تقديم نفسها كقوة معتدلة نسبياً قادرة على إدارة المناطق التي تسيطر عليها، خاصة في إدلب،  ومع ذلك، لا تزال تعاني من إرثها الجهادي وارتباطها بتوجهات أيديولوجية  دينية ، تتناقض مع تطلعات جزء كبير من الشعب السوري الذي يسعى إلى دولة واحدة، مدنية ديمقراطية.

حل مؤسسات الدولة

تواجه سوريا أزمة بناء الهيكلية السياسية الجديدة للدولة، مع سقوط نظام الأسد البعثي، يمكن أن تتفاقم الأزمة في ظل غياب مؤسسات دولة فاعلة. حل الجيش والمؤسسات الحكومية الأخرى قد يؤدي إلى فراغ أمني وإداري، يفتح الباب أمام انتشار الفوضى،  وقد تشهد البلاد نزاعات بين فصائل سياسية مختلفة  محلية  وبعضها مسلح وله دور عسكري سابق، وجهات إقليمية ودولية  ايضا متصارعة على النفوذ والسلطة والهيمنة  في سوريا الجديدة.
 يرى البعض أن بناء مؤسسات جديدة وفق رؤية هيئة تحرير الشام قد يتيح فرصة لإعادة هيكلة الدولة من الصفر، بعيداً عن إرث الفساد والطائفية الذي خلفه نظام الأسد البعثي.
في حين البعض الأخر يرى ويعتقد أن تفكيك الدولة سيقود إلى انزلاق البلاد نحو النموذج والسيناريو العراقي بعد سقوط صدام حسين عام  2003، حيث أدى حل الجيش العراقي  إلى انفلات أمني،  وظهور جماعات مسلحة متناحرة اضعفت الدولة العراقية، بل جرت  فيها محاولات انفصالية، تم استيعابها بالحكم الذاتي للاكراد في شمال العراق، واللامركزية في بقية  المحافظات الأخرى.
الأيديولوجيا الدينية ومعضلة الشرعية والقبول الشعبي بها ستطرح على المحك خلال  الشهور القادمة، تواجه هيئة تحرير الشام  في هذا المجال ، تحدياً كبيراً في كسب الشرعية على المستويين المحلي والدولي.
 فبينما تسعى الهيئة  لتقديم نفسها كبديل سياسي وعسكري مقبول، لكن تظل هويتها الأيديولوجية الدينية المعروفة  عائقاً أمام تحقيق إجماع شعبي حولها،  مثل  رفض القوى الكردية والمكونات الطائفية الأخرى مثل الطائفة العلوية والأسماعيلية   والدرزية والعشائرية  والعديد من القوى السنية المدنية التي تعارض سيطرة (الهيئة) وتحكمها في بناء مؤسسات الدولة،  على مقاسها ووفق رؤيتها الايديولوجية الدينية، يمكن أن يؤدي إلى صراعات داخلية طويلة الأمد وغير نسبوقة.
هناك ايضا عوامل  اخرى تؤثر في واقع ومستقبل سوريا  من اهمها  التدخلات الإقليمية والدولية، كون سوريا لازالت  ساحة لصراع القوى الإقليمية والدولية، مثل تركيا وإيران واسرائيل  وروسيا والولايات المتحدة.
صعود هيئة تحرير الشام قد يدفع بعض هذه القوى إلى زيادة تدخلها لاحتواء النفوذ الجهادي الذي تمثله هيئة تحرير الشام وتحالفاتها  السابقة مع التنظيمات الجهادية  الإسلاموية الأخرى، مما  قد يفاقم الانقسامات الداخلية.
 في المقابل، قد تسعى دول أخرى مثل تركيا إلى دعم الهيئة لتحقيق مصالحها الاستراتيجية، لا سيما في مواجهة النفوذ الكردي واخباط مساعي الأكراد الإنفصالية او الدولانية.
مابين الفوضى والتقسيم، هناك مؤشرات، مثلَ غياب مؤسسات الدولة، تصاعد الصراعات بين الفصائل المسلحة، تدخلات إقليمية ودولية متزايدة، ستؤدي  الى تقسيم فعلي للبلاد بين قوى متعددة، وسيطرة الهيئة على مناطق معينة، وربما ظهور كيانات مستقلة في الشمال الشرقي الأكراد وفي الجنوب وجبل العرب الدروز.

احتمال الاستقرار النسبي وبناء الدولة الجديدة والحديثه والمدينة الديمقراطية  هناك بعض المؤشرات الأولية  الدالة عليها، مثل نجاح الهيئة في التحول إلى قوة سياسية معتدلة، ومن ثم كسب دعم محلي وعربي  ودولي، إعادة بناء المؤسسات بالتعاون مع قوى سياسية مدنية متعددة ومتنوعة  أخرى، سيؤدي إلى   قيام دولة جديدة قد تكون أكثر استقراراً، ولكنها تواجه تحديات كبرى في إعادة البناء والإعمار، كما ستواجه تحديات  كبيرة  لتحقيق الوحدة الوطنية و دمقرطة  الحياة السياسية بناء على أساس دستوري متين (اقتراح دستور  مدني حداثي يلبي تطلعات الشعب السوري في بناء دولة ديمقرطية مبنية على اسس العدالة والمساواة امام القانون بعيدا عن النزعات الإستفرادية والإقصائية لأي من مكونات الشعب السوري، أي دولة المواطنة والقانون)..

لذا  على الحكومة  السورية المؤقته  مهام يجب إنجازها وتتمثل في ما يلي:
تعزيز الحوار الوطني:  اي ضرورة إشراك جميع المكونات السورية في صياغة مستقبل البلاد، بما يضمن تمثيل الجميع ويجنب تهميش اي فئات معينة.
 كما هناك  دور دولي مسؤول،  يجب أن يعمل المجتمع الدولي على تقديم دعم سياسي واقتصادي للحكومة السورية  مشروط بإرساء أسس الحكم  الرشيد و المدني العادل  و الديمقراطي.
 يحب على الحكومة  السورية  إصلاح المؤسسات الأمنية والعسكرية، اي  إعادة بناء الجيش والقوى الأمنية، على أسس وطنية بعيداً عن الانتماءات الأيديولوجية والحزبية والفصائلية والطائفية، والتأكيد على هويتها الوطنية السورية الجامعة والموحدة لجميع المكونات السورية.
 ختاما وبناء على ذلك فأن مستقبل سوريا ما بعد سقوط نظام الأسد البعثي، وصعود هيئة تحرير الشام إلى سدة السلطة والحكم،  يعتمد على قدرة القوى السورية المختلفة والمتعددة، على تجاوز الانقسامات والعمل نحو رؤية وطنية شاملة.
المخاطر والصعوبات لا شك  كبيرة، ولكن الفرص أيضاً لازالت  حاضرة إذا تم استغلالها بحكمة.
 سوريا  لازالت أمام مفترق طرق: إما الانزلاق نحو فوضى و  تقسم البلاد، أو السير نحو بناء دولة موحدة تحقق تطلعات شعبها الذي  قاسى الأمرين.

المصدر : جنوبيات