بأقلامهم >بأقلامهم
رئيس لبناني!
رئيس لبناني! ‎الجمعة 10 01 2025 20:24 الشيخ ماهر حمود
رئيس لبناني!

جنوبيات

نعم هو رئيس لبناني، بكل ما في الكلمة من معنى، مع الأخذ بعين الاعتبار ظروفنا المعقدة، والتاريخ المتشابك للكيان اللبناني، وعجز اللبنانيين عن التوافق ... الخ، والذي نستطيع تأكيده أن 28 نائباً لبنانياً أتوا بالرئيس جوزاف عون، أما الواحد والسبعون الذين انتخبوا في الدورة الأولى فبعضهم أدلى بصوته بقناعته الشخصية وآخرون، معروفون جداً، لم ينتخبوا إلا بضغط وتهديد أميركي، وحقيبة سعودية، "ومونة" فرنسية... الخ، وباختصار: إن ما حصل هو أفضل ما يمكن ضمن ظروفنا المعقدة والتفاصيل التي عشناها خلال فترة الفراغ، أي منذ سنتين وشهرين ونيف.

أما عن موضوع التدخل الخارجي "والتهويل" الذي سمعناه فلا بد من توضيح:

أولاً: إن لبنان: منذ أن أنشيء هو نتيجة تدخل خارجي ابتداءً من نظام القائمقامتين عام 1840 وثم نظام المتصرفية 1860 إلى لبنان الكبير إلى الاستقلال عام 1943 إلى انتخاب كل رؤساء الجمهورية، كل ذلك كان دائماً يتم بتدخل خارجي مباشر أو غير مباشر ... الخ، فليس الأمر جديداً علينا، نعم هذه المرة كان التدخل واضحاً في اليومين الأخيرين الذين سبقا الانتخاب، وهذا بما كسبت أيدينا.

ثانياً: إن مسؤولية التدخل الخارجي تقع بشكل رئيسي على من يدعي تمثيل الموارنة، بحيث أنهم لو اتفقوا على أي شخص لفرضوه على الجميع، ولكن أنانياتهم وضيق الأفق الذي يتمتعون به وخلافاتهم المبنية على تنافس شخصي بعيداً عن أي مصلحة وطنية، كل ذلك استدعى التدخل الخارجي.

ثالثاً: لا بد أن نؤكد أن زعماء الموارنة فشلوا في حفظ "الأمانة" التي سلمهم إياها المجتمع الدولي، فإنه من المعلوم أن لبنان كُرّس تاريخياً ليكون ملاذاً للمسيحيين في الشرق، وأتى إليه المسيحيون من العراق وأرمينيا وجُنّس الفلسطينيون المسيحيون كلهم ... الخ. وهنا يطرح سؤال تاريخي: هل كان هؤلاء الزعماء على مستوى هذه الأمانة؟ بالتأكيد لا: فقد ظلموا الآخرين وحرموهم وأهملوا المناطق التي ضُمت إلى جبل لبنان، وبعضهم نهب، وبعضهم قتل، وبعضهم استدعى الأميركي، وبعضهم استدعى الإسرائيلي، حتى وصلنا إلى اتفاق الطائف، الذي قلص صلاحيات رئيس الجمهورية إلى الحد الأدنى، وكانوا يستحقون ذلك باستثناء القليل منهم.

وهنا لا بد أن نذكر أن المستقيم منهم كالرئيس فؤاد شهاب، والذي أسس أركان لبنان المؤسسات، لم يتعامل معه عامة الموارنة كزعيم حقيقي، لم يكرسوه ممثلاً للمارونية السياسية، بل عمدوا إلى حصاره واتهامه بأشكال متنوعة، والأمثلة كثيرة لذلك.

رابعاً: هل لبنان هو الوحيد الذي يتدخل فيه الأجنبي؟ هل السيسي جاء برغبة الشعب المصري، هل ما يفعله محمد بن سلمان برغبة من الشعب السعودي، أم لإرضاء الأجنبي؟ هل خرائط العالم العربي والإسلامي، صناعة محلية؟ إن الانكسار الموجود في خريطة الأردن، على سبيل المثال، سماه البريطانيون عطسة تشرشل، وكأن هذه الزاوية التي لا قيمة لها من الصحراء ما بين السعودية والأردن، حصلت بسبب عطسة عطسها تشرشل خلال رسمه للخريطة ... الخ.

خامساً: حتى الدول الكبرى تم الحديث فيها عن تدخل أجنبي، ألم يتم اتهام ترامب في ولايته الأولى أنه حصل على دعم روسي لوجستي وتقني أم غير ذلك؟ ألم يتحدث البعض أن الذي أتى بماكرون إلى رئاسة فرنسا هي زوجته، لأنها تنتمي إلى عائلة روتشيلد الصهيونية التي تمول إسرائيل؟.

سادساً: كان على القوات اللبنانية في الرد علينا، أن يكونوا أكثر تواضعاً وأقرب إلى الحقيقة، فلن يصدق أحدٌ أن حاجز البربارة كان ملاذاً للخائفين والهاربين من الظلم السوري، ولن تستطيع كل البيانات والخطب الرنانة أن تمحو عار المذابح والخطف الذي مورس على اللبنانيين من قبل القوات اللبنانية ومن غيرهم.

كان من المفترض أن يقر البيان، بأن القوات مارست كل الموبقات كغيرها، ولكنهم يدعون إلى طي هذه الصفحة المؤلمة، ويدعون لفتح غيرها، ولكن الواقع يقول أنهم لا يستطيعون ذلك، لأنهم لم يمارسوا نقداً ذاتياً، ولم نسمع أنهم تراجعوا عن كل الموبقات التي ارتكبوها، إنما عمدوا إلى تبرير ذلك، فيما قام كثيرون غيرهم بعملية نقد ذاتي واعتراف بالأخطاء.

وكان على جعجع عندما طرح نفسه كمرشح رئاسي أن يتذكر تماماً أنه خرج من السجن بعفو عام، بقانون فُصّل على قياسه بمقايضة لم تكن منصفة في وقتها، وأن ممارسة العمل السياسي هو استثناء ينبغي أن يتم في أضيق إطار ممكن.

سابعاً: من وجهة النظر الإسلامية علينا أن ندعم كل جهد يهدف إلى إحقاق الحق وإبطال الباطل وإقامة العدل تحت عنوان حلف الفضول، وهو حلف حضره رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما كان عمره خمساً وعشرين عاماً، أي قبل النبوة بخمسة عشر عاماً، ذلك أن رجلاً من العرب ظُلم في مكة، وهي أم القرى وعاصمة الحجاز، ووقف خطيباً فقال، يا معشر قريش، ألا يوجد منكم من ينصر الضعيف وينصف المظلوم؟ فتداعى عدد من وجهاء مكة، وتوافقوا على نصرة أي مظلوم حتى لو كان الظالم قرشياً، وتوافق أن بعضاً منهم كان يسمى الفضل، أو فضيل، أو أبو الفضل، فسمي حلف الفضول على اسمهم، وقال صلى الله عليه وسلم بعد النبوة، لقد حضرت في دار عبدالله ابن جدعان حلفاً لو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت، فأمر هنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتعاون من أجل نصرة المظلوم وإنصاف المغبون، ونحن هنا ندعو، انطلاقاً من خطاب القسم المدروس بعناية، أن ندعم الرئيس الجديد للوصول إلى الأهداف التي أعلنها، عسى أن نخرج من الفساد والمحسوبية والطائفية والانحراف إلى العدالة والمساواة، وإنصاف المظلومين ...الخ.

ثامناً: إن الحديث عن عدم دستورية انتخاب الرئيس عون، أمر مبالغ فيه، فبالنظر لعدم وجود رئيس جمهورية، وباعتبار أن مجلس النواب يفقد صفته التشريعية بغياب الرئيس، وبالنظر لكافة الظروف الاستثنائية، فإن مشاركة أكثر من ثلثي مجلس النواب في الانتخاب يعتبر بمثابة تعديل للدستور، وأنه من الأجدى أن نعمل بروح القانون وروحية الدستور، لا أن نسجن أنفسنا بتفسير ضيق لمادة من الدستور، فرضتها ظروف استثنائية في وقتها.

تاسعاً: إن المواصفات الشخصية للرئيس عون تدفعنا إلى التفاؤل، وأهمها أنه مستقيم على المستوى الشخصي ولقد ضرب أمثالاً في هذا الأمر في قيادة الجيش، خاصة عندما منع تدخل السياسيين في انتخابات المدرسة الحربية وتوجه بعد ذلك إلى التلامذة الضباط قائلاً لهم بكل ثقة: لن يستطيع أي سياسي أو مسؤول أن يمّن على أحدكم بأنه أتى بأي منكم، لم يأت أحد منكم إلا بكفاءته من خلال الامتحان الشفهي والخطي والرياضي ... الخ، وبالتالي فإن مناقبيته تدعونا للتفاؤل، وأن الأمثلة على استقامته كثيرة، ندعو له بالتوفيق والصمود في وجه ما نتوقعه من ضغوط خارجية، خاصة في وجه المقاومة وأهلها... والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

المصدر : جنوبيات