بأقلامهم >بأقلامهم
حكايةُ عِمَادٍ: مِنَ الفَقْدِ إلى القيادة ومن الألَمِ إلى السّيادة
حكايةُ عِمَادٍ: مِنَ الفَقْدِ إلى القيادة ومن الألَمِ إلى السّيادة ‎الأربعاء 15 01 2025 09:01 رشا ابو غزالة
حكايةُ عِمَادٍ: مِنَ الفَقْدِ إلى القيادة ومن الألَمِ إلى السّيادة

جنوبيات

قيلَ عن قلبِ الأمِّ:

«هو أعماقُ الكَوْنِ حيثُ يَجِدُ الطّفلُ سلامَهُ»،
وعن الأب:
«في وجهِ أبي رأيتُ معنى الحياة وفي يَدَيْهِ شعرتُ بقوّةِ العالم»،
عن أيّ سلامٍ نُكَلّمُ العِماد وفي أي وجهٍ قد يرى معنى الحياة وقد قَضَّ الموتُ مضْجَعَهُ في أحلكِ اللحظات حاجةً إلى ذلك السّلام وذاك المُحَيَّا... فكما رَحَلَ أبو جوزاف قبل فرحةِ العِماد بالقيادة، رَحَلَت أم جوزاف قبل فرحةِ العِمادِ بالسّيادة...
أم جوزاف، المرأةُ التي رأينا دموعَها يومَ ذهبَ العِمادُ إلى كَنَفِها الآمِن ليُقبّلَ جَبْهَتَهَا التي حَمَلَت همومَهُ،
المرأةُ التي انحَنَتْ أمامها نجومُ العِماد المُكلّلةُ، لا ضُعفاً، بل عُرفاناً بِجَميلها الذي لا يُرَدّ، وشكراً على صلواتها التي لم تَنْضَبْ يوماً،
أم جوزاف، لم نَرَها بعد ذلك اليوم، لا في مواكِبَ صاخِبَةٍ أو قصورٍ مزركشةٍ، بل اختارت بيْتها المتواضع الدافئ وأريكَتَها البسيطة وَجَلَست قُبالة نجومِ العِماد تُضيءُ له شمعةً في طلْبة كل صباحٍ ومساءٍ، لم نَرَها طيلةَ السّنواتِ السّبع تتفاخَرُ بملابسَ يَطْليها الألماس أو مجوهراتٍ مرصّعةٍ بالذّهب بل كان التواضعُ زينَتَها والعِزّةُ منزِلَها والصّلاةُ حاجَتَها.
رَحَلَت أم جوزاف قبل أن تنال من العِمَادِ تلك القبلة التي كانت تنتَظرُها كلَّ يومٍ بصمتٍ، رَحَلَت وهي تحمل في قلبِها صلواتٍ لم تتوقّف يوماً وأملاً بأن يحقّق العِماد الأحلامَ التي نَسَجَتْها له.
أم جوزاف، لقد أبكرتِ الرّحيلَ! كنتِ تستحقّين أن تَرَيْ ثَمَرَةَ تَعَبِك وأن تَرَيْ صلواتِك تتحقّق بأن يكون العماد بينَ يديكِ، يهديكِ النجاحَ الذي صَنَعْتِه بفضلِ حبّكِ وتضحياتكِ.
ومع كلِّ فَقْدٍ، كان القَدَرُ يُعِدُّ العِمَادَ لشيءٍ أعظَمَ، لقيادةِ وطنٍ بأسرِهِ ولِيَكون حامياً لكلِّ مواطن وفردٍ على امتداد حدود الوطن.
هذا الرئيس، لم يولد في قصرٍ مُشيّد ولم تَحمِهِ أسوارٌ من ذهب، فَمِن رحمٍ جنوبيّ لطالما حَمَلَ الأبطالَ وُلدَ، ومن مياهِ الوطنيّة غَرَفَ وبين خمائلِ جنوبِهِ وصخورِهِ قضى قِسْطاً من حياته العسكريّة فَرَشَفَ من حدّةِ الصّخر صلابَةً وعزيمةً.
ومن قبالةِ جبل الشيخ جنوباً حيث تجلّى التجلّي عظَمَةً، إلى الشمالِ الشرقي الجميل حيث سطّر ملاحمَ في البطولة، إلى القيادة الحكيمة لجيشٍ عظيمٍ، وصولاً إلى سدّة الرّئاسة، حكايةُ رَجُلٍ حاكَ قصّة كرامةٍ لجيشِهِ وكتبَ سطوراً جديدةً في كتاب الكرامة أمام عيونِ جُندِه وكلِّ جُندِه، على اختلاف انتماءاتهم المذهبيّة، على الرّغم من محاولاتِ الكُثُرِ من الحاقدين تقسيم الجيش وتَشتيته.
وَقَفَ بطلاً ليقول لجندِه: إن الكرامة ليست فقط في انتصار المعارك، بل في الحفاظ على الأخلاق والمبادئ.
نعم يا أخت العماد: «اللي ما جوّع جيشه ما رح يجوّع شعبه»، نعم وألف نعم! إنهُ درسٌ في الوفاء والتضحية، درسٌ يعلّمه من يَضَع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.

حكايةُ هذا العماد الرّئيس هي شهادةٌ على أن العظماء لا يولَدون من رفاهيّة الأيام بل من تحدّيات الحياة التي تصقلهم وتحوّلهم إلى رموزٍ للأملِ والصّمود.
حكايةُ هذا العماد الرّئيس هي حكايةُ إنسانٍ حقيقيّ أعظمُ من أي لقبٍ في زمنٍ يبحثُ فيه الكثيرون عن المجدِ في قشور الحياة الزّائفة والمكانةِ في المناصِبِ والمراكزِ، أمّا هو فقد أوجَدَ له مكاناً في قلوب كلّ اللبنانيين» والكلّ يعني الكلّ»!
فَعَسى أن يتّعظ الفاسدون والشّامتون والمُغرِضون والمُحاضِرون بالكرامة والشّرف وهم منها براء!
عسى أن يسْتَلهِموا من «تواضع» السيّدة الأولى نعمت عون لأنّ فيه سرُّ جمالِها وسحرِها، هي التي عمِلَت بصمتٍ بعيداً عن الأضواء والضوضاء فكانت أعمالُها تتحدّث عن نفسِها، وفي كلِّ خطوةٍ خَطَتْها كانت تترك أثراً من الخير الذي لا ينتظرُ تقديراً أو مكافأةً. لم تُحبّ يوماً الأضواء في أعمالِها لأنّها كانت تعرف أنّ العظمة تكمن في النّوايا الصّافية والهدفِ النّبيلِ لا في البريقِ الزّائل،
عسى أن يَسْتلهِموا من «بساطة» خليل ونور، إذ لم تَغُرَّهُما الحياة المُترفة ولم يعنيهِما ثراءُ المراكز الذي غزا قلوبَ كثيرين ممّن خَلَفَهُم، فقد علّمَهم العِمادُ أن السّعادةَ لا تأتي من الأموال والممتلكات بل من القِيَم التي نشأ عليها فكانت بساطتُهما أعظمَ من أي قصرٍ أو موكبٍ أو أضواء،
 عسَى أن يَسْتَلهِموا من «براءةِ» جوزاف الصغير الذي يستمدّ العمادُ من بريقِ عينَيْهِ صورةً جديدةً لجيلٍ واعدٍ وغدٍ مشرقٍ،
عسَى أن يسْتَلهِموا من «صلابةِ» جو رحّال، إبن أخت الرّئيس وابن البطل العميد أندريه رحّال «ديدي»، الذي وعلى الرّغم من تحدّياته الجسديّة أثبت يوماً بعد يوم، أن العزيمة أقوى من أي قيدٍ، وأنّ العالم وإن لم يُعطِهِ الفُرَصَ على طبقٍ من ذهبٍ، فَرُوحُه الجميلة بقوّتها لا تَقِفُ عند حدودٍ،
عسَى أن يَسْتلهِموا من قِيَمِ هذه العائلة لا بل هذه المدرسة!
إنّ عهد العِماد الرئيس هو عهدُ الكرامات، لا بل عهدُ استرداد الكرامات المسلوبة، عهدٌ يُعادُ فيه تعريفُ الكرامة بدماءِ من ضحّوا وبقلوبِ من لم يساوِموا على مبادئهم!
نعم، إنّه عهد الكرامات، عهدٌ يكون فيه «الإنسانُ» فوق كل الاعتبارات السياسيّة والمصلحيّة، عهدٌ لا يُفرَضُ فيه الخضوعُ إلّا للخالق ولا يُحتَقَرُ فيه أحدٌ إلا من خانَ شَرَفَهُ ووطَنَهُ،
عهدٌ يشعر فيه الجميعُ أنّهم جزءٌ من هذا الكائن العظيم الذي يُسَمّى الوطن، وعهدٌ لا يضيع فيه حقٌّ وراءَه مُطالب،
نعم، إنه عهد الكرامات!
 ولأنّ «لحماً ودماً لا يَقدِران يَرِثا ملكوت الله، ولا يَرِثُ الفسادُ عدمَ فسادٍ» فإلى « كلّ السّاعين في الأرضِ فساداً»:
أعِدّوا عُدّتَكم وارْحَلوا، فلا مكان لفاسدٍ في عهد العِماد ولا مَقْعَدَ لفاسِد في مدرسةِ العِماد، لأنها مدرسةُ الشّرف والسّيادة والكرامة،
مدرسةُ العماد، فيها حجزتُ مقعداً من سنينَ خلَت، وإليها لي شرفُ الانتماء...

رشا ضاهر أبو غزالة
شقيقة النقيب الشهيد روي أبو غزالة

المصدر : جريدة اللواء