مقالات مختارة >مقالات مختارة
"أجمل الأمهات التي انتظرت إبنها" الشهيد.. واستشهدت!
"أجمل الأمهات التي انتظرت إبنها" الشهيد.. واستشهدت! ‎الأحد 26 01 2025 23:18
"أجمل الأمهات التي انتظرت إبنها" الشهيد.. واستشهدت!

خلود شحادة

"إذا الشعب يوماً أراد الحياة
فلا بدّ أن يستجيب القدر"

الحياة عند الجنوبيين مقياسها الكرامة، لا حياة بدون عز، ولا عز بدون تضحيات.

لخص أهل الجنوب هذه المعادلة، بمشاهد بطولية اقشعرّت لها الأبدان، ولم تتمكن العيون من حبس دموعها…

على وقع "يا جنوبي لو مهما صار، الأرض بتبقى بيبقى الدار" كتب الجنوبيون تاريخ لبنان المقاوم، تاريخ لبنان الأبيّ، بوصولهم إلى قراهم الحدودية، رغم أنف ألف احتلال، وألف دولة مساندة له.

انتهت مهلة الستين يوماً، وصبر أهل القرى الحدودية رغم ويلات الشوق التي "أقرحت" قلوبهم طوال هذه المدة، وما إن طلع فجر السادس والعشرين من كانون الثاني، توجهوا نحو قبلة عشقهم.. حيث الجنوب الذي يسكن منزلة القلب.

وصلوا، ووقفوا بصدور عارية، ومن "مسافة صفر" أمام عدو متوحش وقاتل وارهابي، لكنه خائف.. يتلطى في دبابته، ويوجه مدفعيتها إلى صدر إمرأة تقف أمامه لتقول "اقتلني.. جاي فتش ع ابني الشهيد".. هي جسّدت إحدى قصائد الشاعر الكبير محمود درويش حين قال "أجمل الأمهات تلك التي انتظرت ابنها وعاد مستشهداً"، لكنها أضافت إليها ملحمة كبيرة لتصبح "أجمل الأمهات تلك التي انتظرت ابنها الشهيد.. فلحقت به".. لأنها عادت واستشهدت!

من مسافة صفر، وقف شبان، شجعان، وأبطال، أمام فوهات مدفعية دبابات وبنادق العدو، يحملون بأيديهم شارة النصر، وصوت نداءاتهم علت فوق صوت الرصاص.. ليقنصهم العدو الجبان في أم رأسهم.. وكيف يُقتل "إبن العز" مرفوع الرأس؟

استشهد منهم الكثير.. ومنهم من ينتظر.. ما بدلوا تبديلاً.. بل بقوا في جنوبهم، افترشوا الأرض والتحفوا السماء، نصبوا الخيام فوق ركام بيوتهم.. كيف لا؟ وهم أصحاب الأرض، و"صاحب الأرض سلطان".

الجيش اللبناني، معه الشعب، ومن قبله مقاومة سقت تراب الجنوب بالدم العابق حباً بالوطن، رسّخوا فيها معادلة ذهبية بالفعل لا بالقول فقط "مقاومة شعب وجيش".. وهكذا تحرر الأوطان.

بين جيش يتمترس على جانبي الطريق، وشعب يمر ملؤه الثقة بجيشه المقاوم، لوحة بطولية أنهت مسرحية كتبها الإسرائيلي، مشهدها الأول والأخير تصادم بين الشعب والجيش، ليختلط الدم والهدف.. لبنان سيد حر مستقل!

أثبت أهل الأرض، للمجتمع الدولي، وللقريب قبل الغريب، أنّ من يريد إلغاء المقاومة في الجنوب، عليه إلغاء الجنوب.

أكد أن حركة "أمل" و"حزب الله"، والكثير من الحركات اليسارية والقومية التي أدت واجب القتال ضد العدو الإسرائيلي، كانت نتيجة وليست هي السبب.

أكد أن حركات المقاومة، نشأت بفعل وجود شعب رافض للإحتلال والإستعمار، قاتل باللحم الحيّ والزيت المغليّ.. وأثبت أن هذه الأرض لا تقبل الإحتلال.

هذا الشعب، الذي حرضوه كثيراً، ليلفظ المقاومين من بينهم، بـ"تهمة" أنهم "يعرضون حياتهم للخطر"، أثبت أن المقاومة بالنسبة له، ليست حركة سياسية، ولا ممارسة حزبية، بل هي عقيدة ومبدأ وفكر وأصل. ذهبوا إلى قراهم وهم يعرفون أن الموت ملاقيهم لا محالة.. ولكنهم حملوا شعاراً واحداً "إما الأرض.. أو الشهادة".

هذا الشعب، الذي سار رجل من أنصار إلى عيتا الشعب، ليعيد جثمان إبنه مفقود الأثر، ولم يجد منه سوى رأسه، فعاد به قائلاً  "جيت فتش ع ابني.. والحمد لله لقيت شي منه"… كيف ستكسره؟!

بالدبابات؟ واجهها بصدور عارية!

بالقنص؟ قال لا نبالي إن وقعنا على الموت أو وقع الموت علينا!

بالتهويل والبيانات والتهديد؟ نصب الخيام وتمركز "وولّع أرغيلة"!

ليسوا هواة موت، ولا كارهي الحياة، إنهم أبناء هذه الأرض الولّادة للخير، الذين أحبوا الحياة كثيراً.. إلى الحدّ الذي جعلهم يموتون في سبيلها.. في سبيل عيشها بعز وكرامة.

من يلوم ابن الأرض العائد إليها؟

من يستطيع أن يملي عليه البيانات والمواقف؟

من يردع صاحب الحق عن حقه؟

من يحول دون تحرير الجنوب الذي هو جزء لا يتجزأ من لبنان.. هؤلاء الذين حملوا لبنان في قلوبهم، وأعلامه وأعلام أحزاب مقاومتهم بأيديهم.. وعلى أكتافهم حملوا نعوش أبنائهم.. من يمكن له أن يزايد عليهم بالوطنية والانتماء؟!

إن الأوطان لا تحفظ إلا بالتضحيات.. وبفضل هذه التضحيات.. كانت البوصلة "جنوبية"!

المصدر : الجريدة