لبنانيات >أخبار لبنانية
السّيادة في الجنوب، فعل يُعاش وليست شعارات تلوكها الألسن..
السّيادة في الجنوب، فعل يُعاش وليست شعارات تلوكها الألسن.. ‎الاثنين 27 01 2025 08:55
السّيادة في الجنوب، فعل يُعاش وليست شعارات تلوكها الألسن..

جنوبيات

ستّون يوماً من الحزن المكبوت ومن العضّ على جراح الإمعان في انتهاك سيادة لبنان عبر تهديم البيوت وتخريب الأرزاق وتدمير البنى التّحتيّة في القرى الجنوبيّة على مرأى ومسمع لجنة المراقبة المؤتمنة على تطبيق اتّفاق وقف إطلاق النّار.
ستّون يوماً من الصّبر على ظلم ذوي القربى، ظلم بعض «الشّركاء» في وطن لم يعترف يوماً بشراكة الجنوب وأهلة إلّا في سرّاء الانتصارات الّتي سطّرتها المقاومة على مدى عقود ضدّ عدوّ لبنان الوحيد، أمّا ضرّاء الاحتلال والاعتداءات فكانت لنا وحدنا، ولم نبخل يوماً على الوطن بأغلى ما نملك وأعزّ ما نحبّ.
ستّون يوماً من كظم غيض الرّقص على دمائنا والعبث بأشلاء شهدائنا، من قوى سياسيّة تقول ما لا تفعل وتفعل ما لا تقول، قوى لم تخجل بإعلان هزيمتنا أمام العدو، كما يدّعون، وسارعت لاستثمار «انتصارهم المزعوم» علينا بمحاولة إقصائنا وعزلنا سياسيًّا وثقافيًّا وتصويرنا بصورة النّاشز عن العزف على لحن الدّولة، وكأنّنا عصبة مارقة تهوى الحروب والفوضى والخروج على النّظام والقانون.
ستّون يوماً وقادتنا يلتزمون الصّمت على الأذى حرصاً على ما تبقّى من وطن، ممسكين بوصايا الإمام القائد السيد موسى الصّدر الّذي نذر حياته لمقاومة «إسرائيل» وبناء وطن طائفته الإنسان.
وقبل انقضاء أيّام الخدمة بأيّام انتخب رئيس الجمهوريّة ثمّ جاء خطاب القسم ليعطي أملاً حقيقيًّا بقيام دولة تحمي لبنان كلّه من جنوبه إلى شماله وجيش يتولّى مسؤوليّة التّحرير والدّفاع عن الجنوب بوجه العدوّ الإسرائيلي، فشعرنا بالأمان من كلمة تحكي حلم الإمام الصّدر بانتشار الجيش في الجنوب وتولّي مسؤوليّاته بالأصالة بدل أن ينوب أهل الجنوب عن كلّ لبنان في الدّفاع عن أرضهم، ثمّ عاد فخامة الرّئيس وأكّد خلال لقاء مع وفد من المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى زاره مهنّئاً بانتخابه بأنّ المقاومة نشأت بسبب غياب الدّولة، واستشهد بعبارة الإمام الصّدر: «لن نرضى بأن يبتسم لبنان ويبقى جنوبه متألّماً» فتوسّمنا خيراً على خير خطاب القسم.
ثمّ انقضت مهلة السّتّين يوماً فعمّ صمت القبور على مدّعي السّيادة، وإذا نطق بعضهم قال كفراً بالوطن والدّولة والسّيادة فبرّر للعدوّ خروقاته للاتّفاق وأعطاه الحقّ في البقاء ريثما يتمّ «نزع سلاح المقاومة»، وقد ذهب بيان حزب القوات اللّبنانيّة بعيداً في عندما ربط تشكيل الحكومة بتطبيق الاتّفاق شمال نهر اللّيطاني، وهو ما لم تقله «إسرائيل» نفسها!
أمام هذا الواقع المؤلم، وجد الجنوبيّون أنفسهم، مرّة أخرى، وحيدين في مواجهة العدو، فامتشقوا حزنهم وشعورهم بالخذلان بأساً وإصراراً وتوجّهوا بسيّاراتهم إلى قراهم، مع ساعات الفجر الأولى، نساء ورجالا وأطفالا، وحيث لا تستطيع السّيّارات العبور ترجّلوا ومشوا بخطى واثقة رغم فوّهات المدافع والبنادق الّتي تحدق بهم، ودخلوا قراهم دخول الفاتحين، ومنهم من عبر شهيدًا ومنهم من سقط جريحًا، لكنّهم لم يتراجعوا.
قال أب بصوت متهدّج: «أنا ابني شهيد طالع دوّر ع ابني... أنا ابني زعلان عليه بس زعلان أكتر ع السيد حسن...».
ثمّ وقفت امرأة أمام الجنود، وحيدة إلّا من عزيمة لا تلين وثبات لا يتزحزح، رفعت يديها ونادت بأعلى صوتها، بنبرة جنوبيّة حاسمة: «قوّص، هيدي أرضنا..» وبالفعل «قوّص» جنديّ ولكنّها ثبتت ولم تتراجع.
أرادت «إسرائيل» تكريس نقاط تفوّقها في الحرب نصراً لا يحتمل تأويلاً، فكان مشهد السّادس والعشرين من كانون الثّاني تعويضاً عن خروقات العدو وشماتة «الشّريك» وأسقط كلّ سرديّات أدعياء الدّولة والسّيادة، وأثبت بالدّم والجرأة والحبّ الرّابض في قلوب أهل الجنوب لأرض الجنوب بأنّ «السّيادة فعل يعاش وليست شعارات تلوكها الألسن» كما قال ابن الجنوب وأب الجنوبيين الرّئيس نبيه برّي في بيانه الّذي خاطب فيه أهله تحيّة لهم وليوجّه عبرهم صفعة لأدعياء السّيادة والدّولة، فقال: «فعلكم اليوم أكد أن مقاييس الوطنية والهوية والانتماء للبنان الوطن والرسالة والحرية والتحرّر هو أنتم وهي الأرض التي تقفون عليها وتذودون بالدفاع عنها بأغلى ما تملكون، مباركة هي الأرض التي تزداد شموخاً اليوم بحضوركم فوق تلالها وحواكيرها وفوق ركام منازلها المدمرة بفعل غطرسة العدو الإسرائيلي وإرهابه، فعلكم اليوم يؤكد أن وطنا يمتلك عزيمة كعزيمتكم، وإرادة كإرادتكم وحباً للأرض كمثل حبكم، ووفاء لا يقاس كوفائكم وبأساً كالجمر لا يداس كبأسكم، هو وطن لابد أن ينتصر»..
وبعدُ، ما زالت الكرة في ملعب الدّولة وشرعيّتها والمجتمع الدّولي وشرعيّته، وإلّا، فلا ضير من عود على بدء لتعود معادلة «جيش، شعب، مقاومة» هي الحاكمة ولو كره المنبطحون!

المصدر : اللواء