بأقلامهم >بأقلامهم
ثقافتي ثقافةُ "إنسانٍ"…
ثقافتي ثقافةُ "إنسانٍ"… ‎الأربعاء 29 01 2025 08:36 رشا ابو غزالة
ثقافتي ثقافةُ "إنسانٍ"…

جنوبيات

مع كل استحقاقٍ تُفتح حلبةُ الصراع على الوزارات السيادية وتهمش وزارات أخرى تتركها الكتل النيابية «احتياط» باعتبارها وزارات «ثانوية» أو «كخّة» بالعربي المشبرح مثل وزارة الشباب والرياضة ووزارات الدولة ووزارة الثقافة. 

وبالحديث عن الثقافة، إن كنتم لا تدرون ما الثقافة فتلك مصيبةٌ وإن كنتم تدرون فالمصيبة أعظم. 
فوزارة الثقافة يا سادة ويا سياديين مرآةٌ لوطنكم الذي له حتمًا لا تنتمون، وإن انتميتم فبخجلٍ. هي ليست مجرد ترفٍ بل جزءٌ من سيادة الأمم وهي التي تحفظ كرامة الشعوب وتصون ذاكرتها الجماعية من الاندثار. 

وزارة الثقافة يا سادة ليست منصبًا رمزيًا وليست شعاراتٍ ترفع ولا أنشطةَ تقام من أجل الظهور بل هي فعلٌ يوميٌ وواجبٌ وطنيٌ بأن أصنع من الألم أملاً وأن أذهب إلى أماكن الألم وأزرع من القلوب المحطمة بذور الحياة من جديد. 
الثقافة يا سادة هي ثقافة الحياة وانعكاسٌ لمعاناةٍ وقدرةٌ على النهوض مهما كان السقوط عميقًا.
 الثقافة يا سادة هي ثقافة الصمود، تعيد بناء الأمل من رماد الخسارة، والتاريخ مليء بالأمثلة عن أمم وشعوب نهضت من تحت الرماد بفضل ثقافتها:  اليابان بعد الحرب العالمية الثانية وألمانيا بعد الدمار وشعوب منطقتنا التي ما زالت تتحدى الفقر والظلم والحروب. 
أن أذهب إلى أماكن الألم وأن أجوب جنوبي الذي دمرته الحروب وروت ترابه دماء الشهداء وأزرع في قلوب أطفاله المحطمة بذور الحياة من جديد، تلك هي الثقافة!
من منكم يعرف تاريخ قلعة شمعون في شمع؟ وقلعة مارون في دير كيفا وتاريخ الملعب الروماني في صور؟ تريدون الجنوب ومجالسه وآخدين من ثقافتو دَينتها ! 
أن أطرق باب شمالي حيث سقط أخي شهيدًا لأقول للعالم أن الشمال ليس إرهابًا بل رسالة شرف وتضحية، وأقول للفقراء أن يد «العون» مُدّت إليهم بعد غياب عقود، وأن بعد العسر يسرا ليس فقط بشعار وأن أخلق له أجواء إيجابية وبرامج ترمي إلى المساعدة والنهوض، تلك هي الثقافة!
أن أرتاد بقاعي الذي شوهت سمعته خلايا «الحشيشة» النائمة وخلافات العشائر ومحاولات الجيران بدس الفتنة وأقول للعالم أن البقاع تاريخ تجذر في قلاع بعلبك وعنجر، وتراث أديِرة اليسوعيين وروعة زحلة ومريمها، تلك هي الثقافة ! 
أن أعيد لبيروت بهاءها، أن أحيي شوارعها التي احتضنت الفن والمعرفة، وأن أجعل من أحيائها مساحاتٍ للإبداع والأمل. بيروت التي كانت موطن الشعراء والكتاب تستحق ان تعود منارةً بجمال ناسها وعمق تاريخها وحضارتها،
فبيروت ليست مجرد عاصمة، بل هي ذاكرة وطن وشعلة ثقافة لا تنطفئ، وأن اعيد وهجها، تلك هي الثقافة ! 
 أن أذهب إلى جمعيات تأهيل المدمنين وأمسك بيد شاب أو شابة ضاعوا في ظلام المخدرات وأخبرهم بأن الحياة ما زالت تنتظرهم وأن أعيد لهم الإيمان بأنفسهم وأريهم الطريقة للخروج من عزلتهم، تلك هي أعظم أشكال الثقافة! 

 أن أمشّط دور المسنين والأيتام لأكحّل عيني بضحكة مسنٍّ مَنسيٍّ أو يتيمٍ مقهورٍ وأعيد لهم شعورهم بالإنسانية وأن أشاركهم لحظات الفرح وأملأ المكان بالابتسامات والقصص، تلك هي الثقافة! 
 أن أحول الإنكسار إلى انتصار تلك هي الثقافة!  وما بعد الحياة والصمود والأمل تأتي المهرجانات والمؤتمرات الرنانة والمشاريع التي تعكس نجاحات حقيقية في دعم الإنسان والمجتمع بكل أطيافه والكل يعني الكل!  
الثقافة يا سادة هي الإنسان وقد قالها فولتير: 
« الثقافة هي التي تجعل الإنسان أكثر إنسانيةً»
 وأنتم يا «سادة» ويا «سياديّين» منها براء … 
لذا، أشدّ على أياديكم أن تستكملوا استشراسكم على الحقائب التي تدرُ عليكم بالمال والنفوذ واتركوا الثقافة لسيدِها وعِمادها ومخلّصها ! 
أنتم سادة زمانٍ، خُلِص من زمان…

-شقيقة النقيب الشهيد روي أبو غزالة -

المصدر : جريدة اللواء