فلسطينيات >داخل فلسطين
جنات المطور.. عيون أطفأها رصاص الاحتلال


جنوبيات
على سرير الشفاء في مستشفى الميزان التخصصي بمدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، ترقد الطفلة جنات فيصل المطور (8 سنوات)، تغطي الضمادات الطبية عينيها، على أمل أن يسعفها العلاج في استعادة بصرها الذي خطفته رصاصة أطلقها جنود الاحتلال الإسرائيلي.
ففي 11 شباط/ فبراير الجاري، اقتحمت قوات الاحتلال قرية بيت عينون شمال شرق الخليل، وأطلق الرصاص الحي بصورة عشوائية، ما أدى إلى استشهاد الشاب عبد الله مراد حسين فروخ (19 عاما) من بلدة سعير المجاورة متأثرا بإصابته الخطيرة برصاصة في الصدر، وإصابة شاب آخر (22 عاما) برصاص في البطن، بينما أصيبت جنات بشظايا رصاصة في عينيها ووجهها عندما كانت تحتضن شقيقها الصغير محمد (3 سنوات) داخل غرفتها في البيت.
عائلة جنات نشرت فيديو قصيرا لها وهي على سرير الشفاء في المستشفى تغني ببراءة ولا تقوى على فتح عينيها: "بابا جبلي بالون، يا عيني يا عيني"، متمسكة ببصيص الأمل بأن تبصر عيناها النور مرة أخرى.
وبصوت مرتجف وعيون امتلأت بالدموع يروي والدها فيصل المطور لـ"وفا" فصول الجريمة التي ارتكبها الاحتلال بحق طفلته: "جنات هي أكبر أبنائي ولها شقيقان، كانوا جميعا داخل المنزل عندما بدأت المأساة، حيث كان شقيقها الأصغر محمد يقف على السرير في غرفة النوم، مقابل نافذة تطل على فناء المنزل، بالتزامن مع اقتحام قوات الاحتلال للمنطقة".
ويضيف: "سارعت جنات إلى شقيقها لحمايته وإبعاده عن النافذة، بعد ان رأت أحد جنود الاحتلال يصوب بندقيته نحوه، وتمكنت من إنزاله، وما إن أنجزت المهمة ورفعت رأسها إذا برصاصة أطلقها ذلك الجندي تخترق زجاج النافذة إلى داخل غرفة النوم، وتصيب فروة رأسها".
انفجرت الرصاصة، واختلطت شظاياها بالزجاج المتناثر من النافذة، ليستقر جزء كبير منه في عيني الطفلة ووجهها.
ويتابع المطور: "على وقع صوت الرصاص والصراخ هرعت والدة جنات إلى الغرفة، فكانت جنات وقد اغمضت عينيها، وتلون وجهها بالدماء، تصيح وتصرخ، فحملتها مسرعة نحو الخارج، إلا أن انتشار جنود الاحتلال في محيط المنزل وإطلاقهم الرصاص باتجاه المواطنين، لم يمكنها من الخروج بحثا عن المساعدة، لتبقى جنات تنزف إلى أن تمكن أحد أخوالها من الوصول إليها ونقلها إلى مستشفى الميزان، بعد أن قطع مسافة طويلة وسلك طرقا بديلة بسبب حاجز لقوات الاحتلال يغلق مدخل البلدة بشكل كامل، ويمنع تنقل المواطنين".
فور وصولها إلى المستشفى، بدأت جنات رحلة علاج يبدو أنها ستطول لاستعادة بصرها أو جزء منه.
الطبيب المشرف على علاجها، أخصائي جراحة العيون في مستشفى الميزان علاء التلبيشي يوضح لـ"وفا" أن جنات وصلت المستشفى وقد أصيبت بشظايا من الرصاص والزجاج في العينين والوجه، وتضررت عيناها بشكل كبير، مشيرا إلى أن حدة الإبصار لديها تكاد تكون معدومة، وهي بحاجة إلى إجراء عدة عمليات.
ويضيف: "أجريت لها عملية جراحية في العين اليمنى، تم خلالها إزالة ما بها من شظايا وإغلاق جرح العين، ونتيجة لذلك تحسنت حدة الإبصار في هذه العين بشكل بسيط جدا، ولكن من المتوقع أن يكون البصر فيها قد تضرر بشكل كبير، لكنّ هناك أملاً برؤية بسيطة في هذه العين. وفيما يتعلق بالعين اليسرى ستجرى لها عملية جراحية لإزالة ما بها من شظايا، وأن إمكانية الرؤية في هذه العين قليلة جدا إن لم تكن معدومة".
وحول الحالة النفسية للطفلة جنات، أشار والدها، إلى أنها أصبحت بعد الحادثة تعاني من أعراض صدمة شديدة، وتعيش حالة نفسية صعبة للغاية، تنتابها نوبات من الخوف والهلع، وتقول له باستمرار إنها ترى كوابيس وتتخيل أن هناك مسوخا تلاحقها وتحاول قتلها وسلب عيونها، كأنها تصف جنود الاحتلال وما فعلوه بها.
ومنذ بدء عدوانه الشامل على شعبنا في قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة، قتل الاحتلال الإسرائيلي نحو 18 ألف طفل، وأصاب الآلاف بجروح متفاوتة، منهم أطفال بترت أطرافهم أو فقدوا بصرهم وأصيبوا بإعاقات دائمة، إلى جانب عشرات حالات الاعتقال والاحتجاز والتنكيل، والحرمان من المأكل والمشرب، والحق في اللعب والتعليم والصحة، في انتهاك لجميع القوانين والأعراف الدولية.
ويعتبر المساس بالأطفال وتعريضهم للخطر جرائم حرب مكتملة الأركان، وخروقات وانتهاكات صارخة للقانون الدولي الإنساني بِرُمته ولا سيما اتفاقية جنيف الرابعة (1949)، والبروتوكولين الأول والثاني لاتفاقيات جنيف (1977)، واتفاقية لاهاي (1954)، وإعلان حقوق الطفل عام (1959)، واتفاقية حقوق الطفل عام (1989).
ويمنح القانون الدولي الإنساني والمعاهدات المتعلقة بحقوق الطفل، حماية خاصة للأطفال الذين يواجهون جملة من المخاطر في ظل الحروب، كما يحظى هؤلاء بالحماية العامة التي يتمتع بها المدنيون، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي يواصل تنكره لحقوق الشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حقه في الحياة.