مقالات مختارة >مقالات مختارة
مخطط الترانسفير يهدد لبنان أيضا! نزوح "الإخوان المسلمون" هاجس للعرب


جنوبيات
لا يهدد المشروع المُتداول حول تهجير الفلسطينيين إلى مصر والاردن، القاهرة وعمّان فقط، بل يتعداهما لتهديد باقي "دول الطوق"، أي سوريا وخاصة ما يعنينا هنا في لبنان، بل الدول الابعد مثل العراق والسعودية وغيرهما.
صحيح ان المشروع الذي طرحه الرئيس الاميركي، دونالد ترامب، ما زال غامضا، وهو تراجع عنه لفظيا او لنقل عدّل ببعض مفرداته، إلا ان التماهي بين ترامب ورئيس الحكومة الاسرائيلية، بنيامين نتنياهو، يبدو واضحا في هذا الموضوع بالذات.
فالأخير الذي يتكلم احيانا بصيغ "نحن" جاملا موقفه وترامب سويا، يريد استغلال الفرصة حتى الاخير مع نشوة انتصار يعززها تواجد رئيس حليف له في البيت الابيض.
ومخطط احد اكثر رؤساء الحكومات الاسرائيليين تطرفا عبر تاريخ الكيان العربي، ان لم يكن اكثرهم تطرفا على الاطلاق، هو تهجير الفلسطينيين في قطاع غزة نحو مصر والاردن، ثم الضم التدريجي للضفة الغربية واجلاء اهلها عنها نحو الاردن حتى تجرأ مؤخرا على الدعوة إلى اقامة دولة فلسطينية في السعودية!
بعد لقائه الملك الاردني عبد الله الثاني الذي بدا مربكا وضعيفا امام وسائل الاعلام التي فاجأته، تراجع ترامب إلى حد قليل عن لهجته الاستعلائية في دعوته إلى التهجير، التي للمناسبة لم تكن دعوة إلى التهجير في البدء ثم انتقلت قبل ايام إلى دعوة نحو البقاء خارج غزة التي لم تعد اهلا للسكن!
هو تخبط واضح من المقدر ان يعود عنه ترامب مع الوقت بعد تيقنه استحالة تنفيذ مخططه وصعوبة ركوب القادة العرب لقطار "الترانسفير".
بالنسبة إلى مصر، المسألة امنية في الدرجة الاولى.
فالنازحين سيشكلون عبئا ثقيلا وسيتسلحون وقد تتحول الحدود مع اسرائيل الى "فتح لاند" جديدة كما حدث في لبنان ما ادى الى اجتياح اسرائيل للبنان.
ثم ان اللاجئين، وغالبيتهم متعاطفة او منتمية لحركة "حماس"، فرع "الإخوان المسلمون" في فلسطين، سيؤرقون هاجس القاهرة التي ترى في الإخوان تهديدا مباشرا لها منذ محاولتها قلب نظام الحكم في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.
وتتخذ الخشية من الإخوان معنى اضافيا اليوم مع تولي حكم متعاطف معهم في سورية، حيث يتعاظم النفوذ التركي، الإخواني في الجذور، الذي يتوسع في إفريقيا محاصرا مصر نفسها.
الأمر عند الاردن يبدو اخطر.
فالمسألة الديموغرافية بالغة الحساسية بالنسبة إلى مملكة يقارب عدد من هم من اصل فلسطيني فيها الثلثين.
والحال ان الاردن مر في تاريخه غير البعيد بمنزلق كاد يؤدي إلى حرب اهلية العام 1970، بين النظام الملكي والفصائل الفلسطينية وهو ما عرف بـ"أيلول الأسود"، والذي تمكن الملك حسين حينها من حسمه بتأييد من الجيش وبدعم أميركي علني وإسرائيلي خفي كاد يتحول واقعا..
ولا يبدو اي صدام مع "الإخوان" بعيدا للأسباب نفسها لكن على اسس اخطر هذه المرة، فاستيعاب الحركة في مصر مثلا لم يؤد الى تحييدها عندما نضجت ظروف سقوط نظام الرئيس حسني مبارك، وفي الأردن المتاخم لسورية، فإن التربة خصبة لأية تحركات قد تندلع فجأة ومن دون مقدمات وتحت ذرائع مختلفة.
والواقع ان الأردن يعد خط الدفاع الاول عن السعودية والخليج حيث "الإخوان" تعد خطرا ينبعث من داخل المجتمعات، وقبل ذلك فإن توطين الفلسطينيين سيعد خطرا بشريا وديموغرافيا واجتماعيا واقتصاديا في ظل ولاءات متعددة واولويات مختلفة للشعب الفلسطيني..
على العموم هي فقط مخاوف من التهجير من غير المرجح ان ترى النور، وشرط السعودية للسلام، اقامة دولة فلسطينية ليس نتنياهو في واردها على الاطلاق.
فـ"طوفان الاقصى" التي ضربت مشروع التطبيع في الصميم، احالت مشروع الدولة الفلسطينية كما يطالب به الفلسطينيون وكما وعدوا انفسهم به، إلى التقاعد المبكر.
ستكون سمة المرحلة المقبلة هي شراء الوقت، بينما ليس امام الفلسطينيين سوى تفعيل المقاومة في الضفة الغربية، واعلاء الصوت امام المحافل الدولية. كما ليس امام العرب سوى الشروع في حملة ديبلوماسية تشرح عدالة قضيتهم وخطر التهجير على اوطانهم وعلى القضية الفلسطينية، مثلما بات عليهم بناء نظاما دفاعيا وامنيا مشتركا وتفعيل مصالحهم مع بعضهم البعض..
أما في لبنان، فخطر التوطين قائم اصلا في كل لحظة منذ هجرة الفلسطينيين الكبرى مع نكبتهم العام 1948. ومع الزمن تفاقمت خاصة بعد هزيمة العام 1967 حتى اتخذت صفة عسكرية وامنية مع اتفاق القاهرة الذي شرّع الوجود الفصائلي، والذي للأسف، لم يطبق كما تمت رعايته من قبل الرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي كان ضامنا له..
على العموم شكل النزوح الفصائلي من الاردن العامين 1970 و1971 بعد الهزيمة في الاردن، جوهر المشكلة الفلسطينية في لبنان التي كانت احد اسباب الحرب الاهلية، وما زالت المخيمات شاهدة على واقع توطين ارادته مؤامرة فرض تلك الحرب.
واليوم مع عدم حل مشكلة المخيمات، وفي ظل مخطط التهجير نفسه، قد يكون لبنان عرضة لوضع صعب، ديموغرافيا واقتصاديا واجتماعيا، وسط ظرف لا يساعد مع الضربات التي تعرض لها "حزب الله" والتي ألقت بآثارها على مجمل الوضع الفلسطيني وليس فقط حلفاء الحزب الذين استمروا في تلقي الضربات.
ومن دون حل لواقع اللاجئين الذين يمرون في وضع مرير، ومع محاولة فرض التهجير على الفلسطينيين، قد يُفرض هذا الأمر على لبنان الهش الذي بالكاد يقارب قضية الاحتلال المستجد وذيول العدوان الإسرائيلي.
لذا سيكون امام لبنان ومقاومته واجب الجهوزية، مثلما سيشكل الموقف العربي الذي سيخرج متصديا للتوطين الجديد خط الدفاع الأول عن لبنان نفسه!