لبنانيات >أخبار لبنانية
الانتخابات النيابية اللبنانية لعام 2026: معركة مفصلية لرسم التوازنات السياسية والطائفية
الانتخابات النيابية اللبنانية لعام 2026: معركة مفصلية لرسم التوازنات السياسية والطائفية ‎السبت 22 02 2025 08:48
الانتخابات النيابية اللبنانية لعام 2026: معركة مفصلية لرسم التوازنات السياسية والطائفية

جنوبيات

تُشكّل الانتخابات النيابية اللبنانية لعام 2026 محطة أساسية في مسار إعادة رسم التوازنات السياسية والطائفية في لبنان، خاصة في ظل الأوضاع المتأزّمة التي عاشتها البلاد منذ سنوات، وبعد التحوّلات الإقليمية التي أعقبت حرب إسرائيل على غزة ولبنان. تأتي هذه الانتخابات في سياق تحوّلات داخلية وخارجية مهمة، حيث تشكّل مفترق طرق للطوائف الثلاث الكبرى: السُنّة، الموارنة، والشيعة، ولكل منها رهاناته وأهدافه الخاصة.
في ظل حكومة عهد الرئيس جوزاف عون الأولى برئاسة الرئيس نواف سلام، التي تُعتبر مرحلة انتقالية ضمن هذا المسار، تبدو الساحة السياسية مفتوحة على احتمالات متعددة، إذ يسعى السُنّة إلى استعادة صلاحيات رئاسة الحكومة بعد سنوات من الممارسات اللادستورية في أعقاب اتفاق الدوحة، ويطمح الموارنة إلى تحديد الزعامة المسيحية في ظل وهج رئيس الجمهورية، فيما يهدف الشيعة، وتحديداً الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل)، إلى تكريس احتكارهم للتمثيل النيابي، لا سيما بعد الأثمان التي دفعتها الطائفة في الحرب الأخيرة.
فيما يتعلق بالطائفة السنية، يجد السُنّة أنفسهم أمام تحدٍّ مصيري في انتخابات 2026، حيث يسعون إلى استعادة زمام المبادرة في رئاسة الحكومة وتطبيق صحيح لبنود اتفاق الطائف. فمنذ غياب الرئيس الشهيد رفيق الحريري، عانت الطائفة من حالة عدم استقرار سياسي، ولكن بعد سقوط النظام السوري والعودة العربية الواضح للاهتمام بلبنان، تظهر أهمية الانتخابات النيابية القادمة في الدور السني ضمن المعادلة الوطنية المتمثلة بشخص رئيس الحكومة.
وهنا تشكّل مرحلة تولّي نواف سلام رئاسة الحكومة، حتى ولو لفترة انتقالية، محطة اختبارية لكيفية إعادة تموضع السُنّة سياسياً. فالسؤال الأساسي هو: هل سيكون سلام قادراً على استعادة ثقة الشارع السُنّي أم أن هناك شخصيات أخرى ستبرز لتنافس على الزعامة؟
المعركة داخل الطائفة لن تقتصر فقط على الشخصيات التقليدية، بل ستشهد دخول قوى جديدة، قد تكون مدعومة إقليمياً، خصوصاً في ظل تغير الموقف السعودي تجاه لبنان. كما أن الانتخابات ستشكّل فرصة لحسم مسألة القيادة السُنّية، حيث قد يتنافس تيار المستقبل، مع قوى أخرى وشخصيات مستقلة، ومن بينها الرئيس نواف سلام والهدف الزعامة السنية.

على الساحة المسيحية، تتجه الأنظار نحو الزعامة المارونية، حيث يتوقع أن تكون المنافسة على أشدّها بين القوى التقليدية والقوى الصاعدة. فبعد الانقسام الحاد الذي شهدته الساحة المسيحية في انتخابات 2022، حيث تنافست قوى مثل التيار الوطني الحر، القوات اللبنانية، والكتائب، يبدو أن انتخابات 2026 ستكون حاسمة في تحديد من سيمثل الموارنة على مستوى القيادة الوطنية.
المعركة المارونية تتجاوز مجرد عدد المقاعد التي سيحصل عليها كل طرف، بل تتصل بتحديد من سيكون الزعيم الماروني الأبرز القادر على فرض نفسه في المعادلة السياسية اللبنانية، في إنتظار الاستحقاق الرئاسي المقبل. فالقوات اللبنانية تسعى إلى تثبيت موقعها كأقوى حزب مسيحي، في حين يحاول التيار الوطني الحر استعادة زخمه، بينما تراهن شخصيات مستقلة على إحداث خرق في هذا المشهد التقليدي.
بالنسبة للطائفة الشيعية، تحمل انتخابات 2026 أهمية خاصة، إذ يسعى الثنائي الشيعي، حزب الله وحركة أمل، إلى تكريس إعادة احتكارهما للتمثيل النيابي الشيعي بعد التحديات التي واجهتها الطائفة في السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد الحرب الأخيرة التي أثّرت بشكل مباشر على وضع الشيعة في لبنان.
في انتخابات 2022، تمكّن الثنائي من الاحتفاظ بكامل المقاعد الشيعية، وفي استحقاق العام 2026، خاصة بعد تداعيات حرب غزة ولبنان وسقوط نظام بشار الأسد وتراجع النفوذ الإيراني، قد تدفع بالعديد من الناخبين الشيعة إلى الالتفاف حول حزب الله وأمل باعتبارهما الجهة الوحيدة القادرة على حماية الطائفة.
إلّا أن ذلك لا يعني أن الانتخابات ستكون سهلة بالنسبة للثنائي. فهناك تيارات معارضة، وإن كانت غير منظمة، تسعى إلى تقديم بديل سياسي، إضافة إلى وجود ضغوط دولية ومحلية لإحداث خرق في المعادلة الشيعية التقليدية. كما أن طبيعة التحالفات مع باقي الأطراف السياسية، خصوصاً مع الموارنة والسُنّة، ستلعب دوراً مهماً في تحديد المسار الشيعي بعد 2026.

في هذا السياق، تشكّل حكومة نواف سلام محطة مفصلية على الطريق إلى انتخابات 2026. فهي ليست مجرد حكومة تكنوقراط، بل تعكس محاولة لإعادة ترتيب التوازنات السياسية، ولو بشكل مؤقت. فسلام، الذي يُعتبر شخصية مقبولة دولياً وإقليمياً، يحاول قيادة لبنان خلال مرحلة انتقالية حسّاسة، لكن السؤال يبقى: هل ستكون هذه الحكومة قادرة على إرساء أسس تغيير حقيقي أم أنها مجرد مرحلة عبور نحو الانتخابات النيابية المقبلة؟
الرهان الأساسي لحكومة نواف سلام سيكون على إدارة الملفات الاقتصادية والأمنية، لا سيما في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة، إضافة إلى التحضير لانتخابات نزيهة وشفافة. غير أن قدرتها على تحقيق ذلك ستتوقف على مدى تعاون القوى السياسية معها، خاصة أن معظم الأحزاب تستعد لخوض معركتها الكبرى في 2026.
مع اقتراب الاستحقاق النيابي، تتجه الأنظار إلى ما سيكون عليه المشهد السياسي اللبناني بعد انتخابات 2026. هل يشهد اللبنانيون التغيير الذي طالما نشدوه؟
هل تنجح حكومة سلام في تحقيق المنتظر منها دولياً ومحلياً؟
مما لا شك فيه أن الحكومة الحالية ستكون بمثابة محطة في مسار طويل يقود إلى هذه الانتخابات، التي قد تحدد مستقبل لبنان السياسي لعقود قادمة.
 محامٍ – دكتوراه في التاريخ السياسي والعلاقات الدولية

المصدر : جريدة اللواء - المحامي زكريا الغول