بأقلامهم >بأقلامهم
الإصرار الإسرائيلي على الاحتلال يحفّز "الحزب" على التسلّح!



جنوبيات
يكثّف لبنان مساعيه واتصالاته الديبلوماسية لدفع الإسرائيليين إلى الانسحاب من التلال الخمسة التي ما زالوا يحتلونها. تبقى الاتصالات غير ظاهرة، لا سيما في ظل انتظار الداخل والخارج لمرحلة ما بعد تشييع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وما هي المعادلة الشعبية والسياسية التي سيسعى الحزب إلى إرسائها.
أكثر من وجهة نظر تتكون حيال هذا البقاء الإسرائيلي في النقاط الجنوبية. أولها أن الإسرائيليين يريدون البقاء لما بعد تشييع نصرالله، وبانتظار سيطرة الجيش اللبناني بشكل كامل على منطقة جنوب الليطاني. ثانيها، أن إسرائيل عملت على تكريس أمر واقع جغرافي سيتصل لاحقاً بعملية ترسيم الحدود، وإمكانية إعادة فرض شروط جديدة من قبل تل أبيب، بما ينقض كل المسار التفاوضي السابق حول النقاط العالقة. أما ثالثها، فيذهب بعيداً باتجاه قناعة أن ما فعلته إسرائيل لن تتراجع عنه إلا في حال استدراج لبنان إلى اتفاق سلام.
مفاوضات الترسيم
قبل الحرب الإسرائيلية على لبنان، وقبل عملية طوفان الأقصى، كانت المفاوضات اللبنانية الإسرائيلية غير المباشرة تتركز على إنجاز عملية تثبيت ترسيم الحدود البرية بعد الانتهاء من ترسيم الحدود البحرية. كان هناك 13 نقطة عالقة، تمت معالجة 7 منها، فيما بقيت 6 نقاط مختلف عليها. هذه النقاط الـ13 كان قد رفض الإسرائيليون الانسحاب منها بعد حرب تموز 2006. في حينها رفض الإسرائيليون الانسحاب من هذه النقاط التي كانوا قد تقدموا إليها خلال الحرب، وكان ذلك أول خرق للقرار 1701. حالياً، اخترع الإسرائيليون 5 نقاط جديدة داخل الأراضي اللبنانية تضاف إلى النقاط الـ13، ما يعني إعادة تغيير كاملة لآلية التفاوض حول عملية تثبيت الترسيم، بالإضافة إلى رفض أي نقاش من قبل تل أبيب حالياً بحسم هوية مزارع شبعا، واعتبارها من الجزء المضموم إلى الجولان. كل ذلك لا يُسهم بأي شكل من الأشكال في معالجة المعضلة الحدودية، ولا يساعد الديبلوماسية اللبنانية على تحقيق الإنجاز الذي تريده.
في بدايات الحرب على لبنان، تحدث المسؤولون الإسرائيليون عن إقامة منطقة عازلة في جنوب لبنان، وسط معارضة في الداخل الإسرائيلي لإقامة شريط أمني على غرار ما حصل بين العامين 1982 و2000، أي هناك رفض لنشر جنود داخل الأراضي اللبنانية. لذلك اخترع الإسرائيليون مسألة التلال المشرفة، وسيواصلون الضغوط الأمنية والعسكرية والسياسية والمالية لمنع الشروع في عملية إعادة الإعمار، فتبقى مناطق أساسية خالية من السكان، أو لا قدرة للعودة إليها. يضع ذلك لبنان أمام تحديات أساسية تتصل بكيفية بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها، خصوصاً أن العنوان المرفوع في العهد الجديد، هو الدخول في معركة استعادة الدولة وإعادة بناء المؤسسات. وذلك لا يمكن من دون السيطرة الكاملة على الأرض.
سلاح الحزب وسوريا
كل ذلك يدفع حزب الله إلى عدم الاستسلام وعدم الموافقة على حصر السلاح بيد الدولة، لا بل هو سيواصل كل محاولات تعزيز وضعيته العسكرية وقدراته، على الرغم من التغير الكبير الذي حصل في سوريا، التي لم يستتب الأمر فيها حتى الآن، مع ما يعنيه ذلك من عناصر ضغط على لبنان أيضاً. هذا إلى جانب الضغوط الإسرائيلية المستمرة على سوريا إما عبر الغارات والعمليات العسكرية أو عبر استمرار عمليات التوغل البري والقضم في الجنوب السوري. وفي هذا السياق، تأتي العمليات التي تعلن عنها الإدارة السورية الجديدة عن توقيف أشخاص متورطين بتهريب الأسلحة لحزب الله، أو إحباط عمليات تهريب. بينما لا تتوانى إسرائيل عن مواصلة عمليات القصف على الحدود السورية اللبنانية، لضرب وتعطيل الكثير من المعابر التي يستخدمها الحزب.
عدم انسحاب إسرائيل، وفرض وقائع عسكرية وجغرافية بهدف تحقيق أهداف سياسية قد تصل إلى التطبيع أو السلام لاحقاً، مقابل رفض لبنان لهذه المعادلة، ورفض حزب الله التراجع عن مبدأ المقاومة، وإصراره على إعادة بناء قدراته العسكرية، من شأنه أن يعيد الأمور إلى الدوران في حلقة مفرغة. فما بعد اجتياح العام 1982 وخروج إسرائيل من بيروت والانسحاب باتجاه الجنوب مع إقامة شريط أمني، لم يسهم في إنهاء العمل العسكري المقاوم، الذي استمر من قبل جهات عديدة، عاد وتقدّم عليها حزب الله لاحقاً. وهذا الأمر قابل لأن يتكرر في هذه المرحلة، طالما استمر الاحتلال ولم يتم الوصول إلى حل شامل.
حزب الله يعمل وفق هذا الأساس، بانتظار الظروف ومتغيراتها. وهو بالتأكيد لا يعمل وفق آلية واحدة، بل له آليات متعددة يمكن لها أن تنطلق مجدداً في مرحلة لاحقة، على طريقة "شباب الحافة الحدودية" أو تجمع "شباب الجنوب" أو مجموعة "الجنوب المقاوم". وهذه كلها ستكون قابلة لإعادة تفعيل بعض العمليات العسكرية أو العمليات المقاومة، على طريقة المزج ما بين المقاومة الشعبية أو العسكرية المحدودة.