بأقلامهم >بأقلامهم
"نبض الحياة" فوز "لا أرض أخرى" بالأوسكار!
"نبض الحياة"  فوز "لا أرض أخرى" بالأوسكار! ‎الثلاثاء 4 03 2025 07:32 عمر حلمي الغول
"نبض الحياة"  فوز "لا أرض أخرى" بالأوسكار!

جنوبيات

الفن بأشكاله ومجالاته المختلفة: المسرح، السينما، الفن التشكيلي، الفن التعبيري عموما، الموسيقى والفلكلور الشعبي وغيرها من الفنون لعبت وتلعب دورا هاما في عكس السردية الفلسطينية، وإبراز الهوية الوطنية في المنابر والمحافل المحلية والعربية والدولية، رغم التحديات والتعقيدات والفيتو من قبل العديد من المؤسسات الثقافية والفنية المختصة في دول الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا، التي تحول دون مشاركة الأفلام الفلسطينية الخالصة من حيث الاخراج والإنتاج والسيناريو، نتاج تدخل البعد السياسي بقوة لحجب السردية الفلسطينية، بعيدا عن البعد الفني، الذي يفترض ان يكون الأساس في محاكاة وتقييم الاعمال الفنية الدرامية او الوثائقية.

ولهذا تملي الضرورة على المخرجين الفلسطينيين غالبا البحث عن مدخل لاختراق الأبواب الموصدة لدخول أعمالهم الفنية الى المنصات العالمية ذات الصلة بحقل الفنون عموما، وعالم السينما تحديدا. كما حصل مع فيلم "لا أرض أخرى" (No Other Land) الذي تمكن من المشاركة مع الأفلام العالمية الأخرى، وتم قبوله من اكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة الاميركية، وحصل على جائزة الأوسكار الأولى في دورتها ال97 كأفضل فيلم وثائقي طويل لعام 2025، والسبب يعود للأخراج المشترك بين الفنان الفلسطيني باسل عدرا والإسرائيلي يوفال ابراهام، الى جانب المخرجين راشيل سيزر وحمدان بلال.

ويتناول الفيلم عملية التهجير القسري والتطهير العرقي الذي ترتكبه سلطات الاستعمار الإسرائيلية ضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني في منطقة مسافر يطا في محافظة الخليل، بذريعة اخلاء وتفريغ المنطقة من سكانها الأصليين لإقامة مناطق تدريب ورماية للقوات العسكرية الإسرائيلية، وهي أحد العناوين المكشوفة لنفي السكان من ديارهم، وتكرس الهدف الإسرائيلي، حيث يوثق الفيلم عمليات الهدم والتدمير للبيوت الفلسطينية وتهجير سكانها قسرا.

وتسليط الضوء على منطقة مسافر يطا، هدف الى إماطة اللثام عن معاناة الشعب الفلسطيني المستمرة والمتواصلة الرازح تحت نير الاستعمار الإسرائيلي، ويعكس ما يعانيه الشعب عموما من تراجيديا سوداء في كافة محافظات الوطن والدولة الفلسطينية. وتمكن الفيلم من خلال علاقة الصداقة التي ربطت بين باسل الفلسطيني وابراهام الاسرائيلي الذي لعب دور الصحفي، الكشف عن الفرق الشاسع بين معاناة الفلسطيني الذي يهدم بيته، ويتم طرده من أرض وطنه، وبين ابراهام الذي يعيش حياة مدنية بكل معاييرها، ومع ذلك يتضامن الصحفي الإسرائيلي مع صديقه الفلسطيني ويناصره في الدفاع عن حقه في الحياة، ويخلص الى النتيجة الهامة، انه "لا أرض أخرى" لباسل واقرانه الفلسطينيين غير وطنهم الام فلسطين، وان الأرض الفلسطينية تتسع للعيش المشترك بين الفلسطيني العربي والإسرائيلي اليهودي على أرضية الاتفاق السياسي بعيدا عن الحروب والتطهير العرقي للفلسطينيين.

وأي كانت الملاحظات التي يمكن أن تؤخذ على الفيلم في بعض المقاطع، تمكن الفيلم كنموذج لعمليات التطهير العرقي المتشعبة والممتدة على مساحة الوطن الفلسطيني، والتي تتوسع وتتعمق في قطاع غزة والضفة الفلسطينية بالتلازم مع الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني كله الى توصيل الرسالة المطلوبة، والهامة برفض التهجير القسري للشعب الفلسطيني، صاحب الأرض والتاريخ والموروث الحضاري، وهو رد مباشر على خطة ترمب وادارته ونتنياهو وسموتريش وبن غفير وغيرهم من اركان الائتلاف الحاكم.  

ورغم أية سقطات جانب فيها الفيلم الصواب، ومنها الادعاء ان الدولة الإسرائيلية النازية تمثل عنوانا للدولة "الديمقراطية"، الا ان فوزه بجائزة الاوسكار كأفضل فيلم، أثار ردود فعل كبيرة في الأوسط الإسرائيلية، وخاصة من وزير الثقافة الإسرائيلي، ميكي زوهار، الذي هاجم الفيلم على منصة "إكس" أمس الاثنين 3 اذار / مارس الحالي، نقلتها صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، يعد لحظة حزينة لعالم السينما، بدلا من عرض التعقيد في واقعنا، اختار مخرجو الفيلم ترديد الروايات التي تشوه صورة إسرائيل في العالم.

 وأضاف: حرية التعبير قيمة مهمة، ولكن تحويل تشويه إسرائيل الى أداة للترويج الدولي لا يعد ابداعا، انه تخريب لدولة إسرائيل.

باختصار حتى هذه المساحة الضيقة من كشف الفيلم عن بعض معاناة أبناء الشعب العربي الفلسطيني، ودفاعهم عن حقهم في الحياة الحرة والكريمة، ورفضهم التطهير العرقي الإسرائيلي، وتضامن الصحفي الإسرائيلي المؤمن بالسلام والتعايش، والذي يقر بحق الفلسطيني في ارض وطنه، يعتبرها زوهار "تخريب لدولة إسرائيل"، ويتجاهل المسؤول الإسرائيلي جرائم الحرب والانتهاكات والابادة الجماعية، ولا يرى غير صورة دولته الخارجة على القانون والموغلة في الإبادة الجماعية والتطهير العرقي للفلسطينيين. لأنه لا يؤمن بخيار السلام والتعايش، وكونه مسكون بالتفوق العنصري واللاهوتي اليهودي الصهيوني على العربي الفلسطيني.
وأي كانت الملاحظات، فإن الفيلم نجح في إيصال الرسالة الأساس في دفاع الفلسطيني عن حقوقه الوطنية والسياسية والقانونية والثقافية. وهذا هو المهم.
http://oalghoul@gmail.com

a.a.alrhman@gmail.com

المصدر : جنوبيات