بأقلامهم >بأقلامهم
التكامل السعودي المصري.. أول رد عربي على مخطط تهجير الفلسطينيين!
التكامل السعودي المصري.. أول رد عربي على مخطط تهجير الفلسطينيين! ‎الثلاثاء 4 03 2025 09:42 حياة الحريري
التكامل السعودي المصري.. أول رد عربي على مخطط تهجير الفلسطينيين!

جنوبيات

تتجه الأنظار إلى القمة العربية المرتقبة في مصر  لتقديم خطة بديلة عن خطة دونالد ترامب التي باتت تعرف باسم "ريفييرا الشرق الأوسط" والتي تهدف إلى تهجير أهل غزة إلى مصر والأردن، وتحويل القطاع إلى مستعمرة أميركية-إسرائيلية. بالطبع، لا يحتاج أحد إلى التذكير بخطورة هذا المخطط الموجود على الأجندة الإسرائيلية منذ العام 1948، بدعم وتمويل أميركيين، على الأمن القومي العربي وعلى مصالح الدول العربية قبل مصالح فلسطين والفلسطينيين. 

 في الأسابيع القليلة الماضية، عبّر قادة الدول العربية عن رفضهم لمخطط التهجير الفلسطينيّ الجديد، وتفاوتت ردود الفعل العربية على ما أدلى به ترامب، ولو أنها كلها كانت رافضة، إلا أن أكثرها شدّة كان موقف مصر والسعودية لا سيّما في ضوء تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن اقتطاع أراض سعودية وتهجير الفلسطينيين إليها.

وعلى الرغم من تراجع حدة التصريحات الأميركية والإسرائيلية، ودخولهما في لعبة المناورة السياسية لا سيّما في ما يخصّ الانفتاح الأميركي على الخطة العربية البديلة التي سيقدمها القادة العرب في ما بدا أنه نوع من التراجع الأميركي التكتيكي لامتصاص الغضب الشعبي العربي والموقف الرسمي العربي الموحد للمرة الأولى منذ عقود، يجب على الدول العربية اتباع خطة سياسية واقتصادية حازمة وواضحة وعمليّة تردع مطامع كلّاً من ترامب ونتنياهو من جهة، وتضمن دعم أهل غزة في أبسط مقوّمات الصمود لتثبيتهم في أرضهم من جهة أخرى.

في هذا الإطار، لا بدّ من الإشارة إلى أن السعودية ومصر هما الدولتان العربيّتان المعنيّتان بشكل مباشر في أخذ المبادرة والضغط على الولايات المتحدة الأميركية، راعية إسرائيل، إذ أن كلاهما يشكلان معاً ركيزة جبهة سياسية اقتصادية متكاملة تستطيع إنقاذ المنطقة العربية من هذا المخطط القاتل لكلّ الأطراف.

وفي مقالة سابقة، كنت قد أشرت إلى الخطوات التي يمكن لمصر أن تتبعها لمواجهة مؤامرة التهجير الفلسطينية (راجع نصّ أوراق القوة لدى مصر على موقع “مؤسسة دياليكتيك“). في هذا المقال، سأتناول بالدرجة الأولى أوراق القوة التي تمتلكها السعودية وأهمها التكامل والتعاون مع مصر، ذلك أنهما (أي السعودية ومصر) يحتاجان إلى بعضهما البعض في هذه المعركة، وهما فعليّاً يكمّلان بعضهما البعض من خلال الدور السياسي لمصر والدور الاقتصادي للمملكة.

"دومينو" التطبيع!

منذ انطلاق قطار التطبيع في العالم العربي قبل حلّ القضية الفلسطينية، لا سيّما في مسألة إقامة الدولة الفلسطينية، وهي أبسط الحقوق الفلسطينية وأكثر الحلول التي تؤسس للإستقرار في المنطقة العربية، كان الهدف الأكبر لإسرائيل هو إنجاز التطبيع مع السعودية قبل غيرها من الدول، إذ أن هذه الخطوة لو حصلت ستؤدي مبدئياً إلى التحاق باقي الدول العربية وربما الإسلامية الرافضة للتطبيع تباعاً بقطار التطبيع، لما للسعودية من رمزية دينية إسلامية أولاً ودور وقوّة سياسيتين واقتصاديتين ثانياً. في خريف العام 2023، نفّذت المقاومة الفلسطينية عملية 7 أكتوبر، وكانت أبرز نتائجها إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة وانكشاف الحقيقة الإجرامية للاحتلال الإسرائيلي تحديداً لدى شعوب الدول الغربية بفعل جرائم ومجازر الإبادة الجماعية التي ارتكبها على عام ونيف، والاعتداءات والمجازر التي ارتكبها وما يزال، أكان من خلال الحصار المستمرّ على غزة أو في موضوع الأسرى أو في زيادة وتيرة الاستيطان والاجتياحات المستمرّة والمتصاعدة في الضفة الغربية بهدف تهجير أهلها. قبل السابع من أكتوبر، ارتفع الحديث عن قرب التطبيع السعودي الإسرائيلي من دون شرط الدولة الفلسطينية (نفت السعودية ذلك مراراً)، لكن بعد 7 أكتوبر، صار موقف المملكة أكثر وضوحاً بالربط بين التطبيع وبين حل الدولتين.

من المتوقع أن يؤدي نجاح مخطط التهجير إلى ازدياد الغضب الشعبي العربي لا سيّما عند الشباب في كل الدول العربية ومنها المملكة العربية السعودية، الأمر الذي سيضع تلك الدول في موقع العاجز عن حماية الأرض العربية بما فيها حدودها ذلك أن التهجير لا يمكن فصله عن مشروع "إسرائيل الكبرى" والذي تجاهر به إسرائيل علناً وبالطبع، ليس سرّاً القول إنّ وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان لا يُؤيّد كل حركات المقاومة في المنطقة وتحديدا حركة حماس (وحزب الله في لبنان بطبيعة الحال) لأسباب سياسية وعقائدية مرتبطة بتوجّهات ورؤية الأمير الشاب للمنطقة.

برغم ذلك، فهو يعي رمزية بلاده الدينية وأهميّة هذه المكانة التي تتميّز بها ليس فقط في العالمين العربي والإسلامي لكن أيضاً في العالم أجمع، بالإضافة إلى قوّتها الاقتصادية والسياسية.

ويعي أيضاً محورية ورمزية القضية الفلسطينية لدى شعوب الدول العربية والإسلامية من منطلقات عدة على اختلافها، دينية وإنسانية ووطنية وقومية، وقد ازدادت هذه الأهمية وأخذت زخماً إضافياً لا سيّما وأن الجيل الجديد في السعودية البعيد نسبيّاً عن الشؤون السياسية في المنطقة قد “تعرّف” أكثر على الإجرام الإسرائيلي وبات يعي أكثر حقيقة المشروع التوسعي الإسرائيلي في فلسطين والمنطقة، وبأن الفلسطينيين ليسوا المشكلة بل إسرائيل التي لا تريد السلام، بل تريد إذعان الدول العربية لها من جهة، واستمرار قتل الفلسطينيين وتهجيرهم من جهة ثانية. وأيضاً، ليس سرّاً القول بأن تهجير أهل غزة بمن فيهم أعضاء حركة حماس، ليس بالأمر الواقعيّ إذا لم يكن مستحيلاً، فقد تقبل الحركة بالانكفاء عسكريّاً في غزة لكن لا يمكن أن “تختفي” ذلك أن عناصرها هم من أبناء غزة، وتهجيرهم أسوة ببقية الناس سيزيد من شعبيتهم وشرعيتهم ليس فقط في فلسطين بل في مختلف الدول العربية والإسلامية.

أوراق القوة السعودية والمصرية من هنا، من المتوقع أن يؤدي نجاح مخطط التهجير إلى ازدياد الغضب الشعبي العربي لا سيّما عند الشباب في كل الدول العربية ومنها المملكة العربية السعودية، الأمر الذي سيضع تلك الدول في موقع العاجز عن حماية الأرض العربية بما فيها حدودها ذلك أن التهجير لا يمكن فصله عن مشروع “إسرائيل الكبرى” والذي تجاهر به إسرائيل علناً وبنيّتها العمل على ضمّ أجزاء من الدول العربية إليه.

تعتبر المملكة العربية السعودية أكبر قوة مالية واقتصادية في الشرق الأوسط وهي تمتلك مقوّمات كثيرة لجعلها القوّة الأكثر نفوذاً في المنطقة ولاعباً أساسياً في العالم لعدة عوامل منها: أكبر مصدّر للنفط في العالم قوة بشرية كبيرة إذ أنها تمتلك مساحة جغرافية واسعة وأكبر دول الخليج بالسكان وهي قوية بالموارد البشرية. رمزية دينية كبيرة في العالم لأنها تعتبر مهد الديانة الإسلامية. قوة اقتصادية ضخمة من حيث القوة المالية، البنية التحتية، الاستثمارات الأجنبية واستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية، التكنولوجيا، الاتصالات، السياحة، المواصلات وغيرها من الموارد الاقتصادية المتنوّعة تبعاً لرؤية المملكة 2030.

فكيف يمكن للمملكة مواجهة مخطط التهجير الفلسطيني؟

أولاً:

دعم مصر وتمكينها اقتصادياً: تشكّل مصر القوة السياسية الأكبر في المنطقة بفعل تاريخها وموقعها الجغرافي الاستراتيجي ودورها المستمرّ والمحوري في قضايا عدة لا سيّما في الموضوع الفلسطيني. وبسبب الضغوطات الاقتصادية على مصر وبالتالي افتقادها إلى الاستقلال الاقتصادي الذي يخوّلها خوض المواجهة منفردة، لا تستطيع الأخيرة تحديد خيارات معينة من دون تأمين بدائل للدعم الأميركي السنوي، وبالتالي عليها أن تحمي أي خطوة بتوفير دعم اقتصاديّ عربيّ ولا سيّما سعودي. فمع الدعم العربي الخليجي، وتحديدا من المملكة، تستطيع مصر أن تُهدّد بشكل جديّ بإلغاء اتفاقية السلام مع إسرائيل المعروفة باتفاقية "كامب ديفيد".

إن مجرد التلويح بإلغاء الاتفاقية وإدراك كل من الولايات المتحدة وإسرائيل أن مصر تستطيع ترجمة تهديدها على أرض الواقع، من شأنه أن يُهدّد ليس فقط المصالح الاقتصادية والسياسية لهما، بل أيضاً الاستقرار الإقليمي، وهذا التهديد إن حدث فعليّاً، فإنه سيبطل كل مفاعيل اتفاقيات السلام العربية الأخرى. على الأثر، ستعطي هذه الخطوة بطريقة غير مباشرة شرعية إضافية لكل حركات المقاومة في المنطقة ضد إسرائيل وستُعيد ترسيخ الوعي العربي حول ضرورة المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي الذي يُهدّد كل بيت عربيّ. بهذا، وإن اختلفت كل من مصر والسعودية مع عقيدة ومسار حركات المقاومة، فإن أي دعم إعلامي أو سياسي، مباشر أو غير مباشر، مثل تجنّب التصويب عليها من قبل الأنظمة علناً أو التصريح بعدم القدرة على الحدّ من تأثيرها بفعل فشل المسار السياسي الأميركي- الإسرائيلي، من شأنه أن يُشكّل خط دفاع أولي عن استقرار الدول والأنظمة العربية وأولها مصر والسعودية.

ثانياً:

أوراق قوة السعودية: بالتوازي مع الحراك المصري، تستطيع السعودية التلويح جديّاً بورقة الإستثمارات المقدرة بنحو بليون دولار للولايات المتحدة. هذه الورقة وغيرها تحتاجه الإدارة الأميركية لمعالجة المشاكل الاقتصادية الداخلية. ويُمكن للمملكة أن تستخدم سلاح النفط عبر تشديد الإجراءات في قطاع الصادرات النفطية والتضييق على الامتيازات المعطاة لشركات أجنبية. ثالثاً؛ وضع خطة عربية شاملة لدعم غزة: الضغط لإدخال المساعدات المطلوبة إلى غزة وفكّ الحصار عن القطاع لمساعدة الناس على البقاء في أرضهم واطلاق ورشة لاعمار القطاع بأسرع وقت ممكن وفق الرؤية التي وضعتها الدولة المصرية وستعرضها على القادة العرب.

في الختام، قد لا يُعجب قادة الدول العربية بالفلسطينيين، لكنهم لا يستطيعون الاستمرار في التعاطي الخجول الذي شهده العالم طوال سبعة عشر شهراً من حرب الإبادة المستمرة على غزة.

لا مناص من التمسك بحلّ القضية الفلسطينية على أساس إقامة دولة فلسطينية حسب خطة السلام لبيروت عام  2002 بالحدّ الأدنى، ووقف المجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين وإنهاء الاستيطان ومشروع التهجير، كل ذلك يصبّ بالدرجة الأولى في مصلحة استمرار هذه الأنظمة واستقرارها وبالتالي استقرار المنطقة. العين على القمة في مصر، وتحديداً على موقف السعودية ومصر، قولاً وفعلاً، في هذا الإطار.

 

المصدر : 180 بوست