بأقلامهم >بأقلامهم
"الانتماء الوطني" في المدارس: بين الطقوس الرمزية والممارسات الفعلية
"الانتماء الوطني" في المدارس: بين الطقوس الرمزية والممارسات الفعلية ‎الثلاثاء 4 03 2025 11:50 كامل عبد الكريم كزبر
"الانتماء الوطني" في المدارس: بين الطقوس الرمزية والممارسات الفعلية

جنوبيات

أصدرت وزيرة التربية والتعليم العالي الدكتورة ريما كرامي تعميماً جديداً يهدف إلى تعزيز الانتماء الوطني في المدارس اللبنانية، وذلك من خلال إجراءات ملموسة تسهم في تقوية شعور الطلاب بالهوية الوطنية:

1. رفع العلم اللبناني بشكل دائم فوق المباني المدرسية.
2. إنشاد النشيد الوطني اللبناني صباح يوم الإثنين من كل أسبوع.
3. إزالة أي أعلام أو مظاهر حزبية من المباني المدرسية.
وفي تعليق على هذا القرار، قالت وزيرة التربية: "يأتي هذا التعميم في إطار تعزيز الهوية الوطنية والشعور بالانتماء إلى الوطن ونؤمن أن المدارس هي المكان الأمثل لغرس هذه القيم لدى الأجيال القادمة."
على الرغم من أن رفع العلم اللبناني وإنشاد النشيد الوطني هما خطوات رمزية قوية، فإن الكثيرين يتساءلون: هل يكفي ذلك لتحقيق الانتماء الوطني الفعلي؟

من المنظور التربوي، يعتبر الالتزام برفع العلم وإنشاد النشيد الوطني خطوة مهمة في بناء هوية جماعية لدى الطلاب، إلا أن هذه الإجراءات تبقى محدودة إذا لم تترافق مع تطوير مهارات التفكير النقدي وتعزيز الثقافة الوطنية بين الشباب. فالمؤسسات التعليمية لها دور أكبر من مجرد إجراء طقوس محددة حيث يمكن أن تشمل هذه الإجراءات أيضًا تعزيز الثقافة الوطنية من خلال:

أولاً:

المناهج الدراسية التي ينبغي أن تتضمن  دروسًا متكاملة عن تاريخ لبنان، ثقافته، ورموزه الوطنية. كما يجب التركيز على أهمية الوحدة الوطنية والتعايش بين مختلف الطوائف والمكونات اللبنانية، وعليه فقد آن الأوان لاصدار كتاب للتاريخ يوحد اللبنانيين لا يفرقهم.

ثانياً:

الأنشطة اللامنهجية من تنظيم رحلات ميدانية إلى معالم وطنية، ومحاضرات ثقافية، ومسابقات حول تاريخ لبنان وتراثه، مما يساعد في تعزيز الروابط العاطفية بين الطلاب ووطنهم.

ثالثاً:

إشراك الطلاب في قضايا وطنية من خلال العمل على تشجيعهم على التفكير في قضايا وطنية حيوية مثل البيئة، حقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية، من خلال أنشطة مدرسية تشجعهم على اتخاذ مواقف إيجابية تجاه مجتمعهم.

رابعاً:

التربية على المواطنة من خلال تطوير برامج تركز على تعليم قيم المواطنة الفاعلة، مثل احترام القانون، المشاركة السياسية، والمساهمة في المجتمع، وهي كلها من العوامل التي تساهم في تعزيز الانتماء الوطني على المدى الطويل.

خامساً:

معالجة التناقض بين المناهج التعليمية والواقع الحياتي على الانتماء الوطني حيث يعد التناقض بين ما تُقدمه المناهج التعليمية من قيم تربوية ، وبين الواقع في المجتمع، من أبرز العوامل التي تهدد الانتماء الوطني حيث أن المناهج التعليمية تشدد على مفاهيم المواطنة الصالحة، والانضباط القانوني، والديمقراطية وأهمية المشاركة الفعالة في بناء الوطن، بينما نرى في واقعنا أن بعض ممثلي الشعب والوزراء، والمؤتمنون على القانون الذين من المفترض أن يكونوا قدوة في الالتزام بالقيم والمبادئ التي تتعلمها الأجيال الجديدة، وفي كثير من الأحيان من أبرز الممارسين للفساد ومخالفي القوانين، هذا التناقض بين النظرية والواقع يؤدي إلى فقدان المصداقية تجاه النظام السياسي، ويعمق الإحباط لدى الطلاب ، مما يؤثر سلبًا على درجة الولاء والانتماء الوطني.

إن غياب التوافق بين ما يتم تدريسه في المؤسسات التعليمية وبين سلوكيات المسؤولين دون المحاسبة يزيد من التحديات التي تواجه المجتمع في تعزيز القيم الوطنية ويدفع باتجاه تآكل الثقة في الدولة.

من هنا يصبح من الضروري أن تتناغم السياسات التعليمية مع الممارسات الواقعية، بحيث يكون المسؤولون قدوة في المحاسبة وفي تطبيق المبادئ التي يُفترض أن يتعلمها المواطنون منذ الصغر، مما يعزز مصداقية النظام ويزيد من شعور الأفراد بالانتماء إلى وطنهم.

صحيح، لبنان يتميز بتراث ثقافي عميق وبشعب متعدد الطوائف، ويُعتبر النشيد الوطني اللبناني جزءًا من الهوية الوطنية ويرافق معظم النشاطات  التي يُحتفى بها في المناسبات الرسمية والاجتماعية. لكن رغم ذلك، هناك فجوات في شعور الانتماء الوطني العميق عند الكثيرين بسبب التركيبة الطائفية والسياسية المعقدة في البلاد، هذه التركيبة قد تؤدي إلى تباين في مفهوم الوطن والانتماء له، مما يجعل ولاء الفرد في بعض الأحيان يتوزع بين الطائفة أو الجماعة السياسية التي ينتمي إليها وبين وطنه ككل.
وبالرغم من ان لبنان من اكثر الدول في العالم استهلاكا للنشيد الوطني إلا أن قرار وزيرة التربية برفع العلم اللبناني وإنشاد النشيد الوطني خطوة إيجابية نحو تعزيز الهوية الوطنية في المدارس، لكنها تبقى غير كافية إذا لم تُدعم بجوانب تربوية أخرى فالانتماء الوطني لا يُبنى فقط عبر الطقوس الرمزية بل من خلال تجسيد القيم الوطنية في الحياة اليومية للطلاب والممارسة الفعلية لهذه القيم مما يضمن أن يكون هذا الانتماء عميقاً ومستداماً.

المصدر : جنوبيات