لبنانيات >أخبار لبنانية
رياح البلديات تهزّ جبل لبنان.. "المحافظة الأم" تقترع


جنوبيات
بعد تأجيل دام ثلاث سنوات، تفتح بلديات 2025، صناديق الاقتراع غداً، انطلاقاً من محافظة جبل لبنان. تسع سنوات مرّت على آخر انتخابات، حيث حُرِمَ اللبنانيون من أكثر المبارزات حماوةً وحماسةً عندهم. إنها السلطة الأقرب إليهم، أو بالأحرى، إنها سلطتهم المباشرة، فهم معنيون بتشكيلها وحصد نتائجها. يكتبون بأصواتهم من يُولّى عليهم أو من يولّى من أجلهم. من يَخدُم ومن يُخدَم. يخيّطونها “أهلية بمحليّة” داخل منازلهم وبين شوارعهم وساحاتهم. فيها من الوجاهة والتحدّي والتقاليد بمحلّ ما، وفيها من المسؤولية والجدارة والكفاءة بمحلّات عديدة. كيفما كانت، هي أكبر عُرس سياسي وديمقراطي في لبنان.
مع دخول محافظة جبل لبنان الصمت الانتخابي من منتصف ليل أمس (الجمعة) لغاية إقفال صناديق الاقتراع، ستهزّ رياح البلديات غداً الجبل الكبير، أو كما يُقال “المحافظة الأم” للدولة اللبنانية. ستضجّ القرى والمدن بماكينات المرشّحين وأصوات المقترعين في أقضية الشوف وعاليه وبعبدا والمتن وكسروان وصولاً إلى جبيل. تتشابه في الهموم والصعوبات وتتمايز في الخصوصيات والحسابات العائلية أو الحزبية التي تتشابك معاً في أماكن، وتنتفي في أماكن أخرى.
بلديات تنتخب للمرّة الأولى
بعد انتخابات 2016، استُحدثت 34 بلدية في لبنان تدار من قبل القائمقامين أو المحافظين إلى حين تشكيل المجالس البلدية الجديدة، 7 منها في محافظة جبل لبنان، وهي: زندوقة (9 أعضاء)، بتبيات (9 أعضاء)، الدليبة (9 أعضاء) في قضاء بعبدا. عين الخروبة (9 أعضاء)، جورة البلّوط (9 أعضاء) في المتن. دير بابا (9 أعضاء)، والسعديات (9 أعضاء) في الشّوف.
أما البلديات التي كانت منحلّة في المحافظة المذكورة، فتوزّعت كما يلي:
بعبدا: بمريم، الخريبة، وادي شحرور السفلى، حمّانا، القصيبة، قرطاضة.
عاليه: سلفايا، دير قوبل، دفون، حومال، عرمون، بشامون، عين درافيل.
الشوف: غريفة، كفرنبرخ، بسابا، معاصر الشوف، الناعمة – حارة الناعمة، مزبود.
جبيل: حصارات، ترتج، مشان، الفيدار، العاقورة.
كسروان: بقعاتة عشقوت، ميروبا.
المتن: الفنار، ضبية – زوق الخراب – عوكر، الجديدة – البوشرية – السدّ.
التزكية تفرض حضورها
في انتخابات 2016، فازت 53 بلدية بالتزكية من أصل 326 في جبل لبنان. أما راهناً فسُجّل 64 حتى أمس الأوّل، من أصل 333، انطلاقاً من رغبة المجتمع المحلّي في تجنّب الانقسامات أو لتوفير الموارد المالية واللوجستية التي قد تستهلكها في الحملات الانتخابية، أو نتيجة تعاضد أهلي. كما أعلن محافظ جبل لبنان القاضي محمد مكاوي أنّ باب الانسحابات سيبقى مفتوحاً حتى مساء اليوم (السبت)، وذلك من أجل تخفيف الأعباء اللوجستية والتقنية من مراقبين ومراكز اقتراع.
وتوزّعت البلديات المزكّاة على النحو التالي:
6 بلديات في قضاء جبيل: إده، الفيدار، المزاريب وعرستا، المنصف، فتري، مزرعة السياد.
12 في قضاء كسروان: الحصين، الكفور، المعيصرة، بزمّار، بطحا، بقعاتة كنعان، جورة بدران، زعيترة، شننعير، عين الريحانة، عينطورة وغوسطا.
12 في المتن الشمالي: العيون، الغابة والمسقى، المطيلب، بسكنتا، جورة البلوط (بلدية مستحدثة)، ساقية المسك – بحرصاف، سنّ الفيل، عيرون، قرنة شهوان – عين عار – بيت الككو، قنابة برمانا، كفرتيه، كفرعقاب.
13 في بعبدا: الدليبة (بلدية مستحدثة)، الشياح، العربانية، القلعة، الكنيسة، بتبيات (مستحدثة)، بتخنيه، تحويطة الغدير – الليلكي – المريجة، جورة أرصون، حارة الست، زندوقة (مستحدثة) برج البراجنة، عاريا.
11 في عاليه: أغميد، البساتين، القماطية، بحمدون، بخشتيه، بطلون، سرحمول، شملان، عين الرمانة، عين السيدة، كفرعميه.
10 بلديات في الشوف: الكنيسة، جدرا – وادي الزّينة، المختارة، حارة جندل، سرجبال، ضهر المغارة، عميق، عين الحور، مزرعة الضهر، بسابا.
في هذا السياق، يعتبر البعض أنّ التزكية هي حالة غير ديمقراطية، كونها تُعطّل حقّ الاقتراع، مستندين إلى قرار المجلس الدستوري رقم 6/2023 الذي أكّد أن مبدأ الانتخاب هو التعبير الأمثل للديمقراطية من خلال العودة دورياً إلى الهيئة الناخبة للتعبير عن إرادتها وممارسة سيادتها ومحاسبة من انتخبتهم والتمديد لهم أو انتخاب سواهم، علماً أن القرار الدستوري المذكور أتى في سياق الطعن بتأجيل البلديات.
لا عيب ديمقراطي
في المقابل، يرى خبراء دستوريون أن التزكية أو الانسحاب أو المقاطعة، هي من أشكال التعبير الديمقراطي، كما أنّ قانون الانتخابات البلدية والاختيارية، نصّ في المادة 19 على أنّه: “يفوز بالانتخاب المرشح الذي ينال العدد الأكبر من أصوات المقترعين، وإذا تساوت الأصوات فيفوز الأكبر سناً، وإذا تساوت السن يلجأ إلى القرعة بواسطة لجنة القيد المنصوص عليها في المادة السابعة من هذا القانون، و إذا كان عدد المرشحين موازياً لعدد الأعضاء المطلوب انتخابهم وانقضت مدة الترشيح فاز هؤلاء المرشحون بالتزكية. ويعلن عن ذلك بقرار من المحافظ أو القائمقام، أما إذا لم يبلغ عدد المرشحين عدد الأعضاء المطلوب انتخابهم عند إقفال مدة الترشيح، أو إذا أدى إلى ذلك رجوع مرشحين عن ترشيحهم، جاز قبول ترشيحات جديدة تقدم قبل الاقتراع بثلاثة أيام”.
معارك ساخنة
ما ينطبق على كلّ لبنان، يسري أيضاً في جبل لبنان، حيث تسخن المعارك في بلدياتها الكبرى وتتقدم الأحزاب لقيادة النزال الديمقراطي إلى جانب شخصيات وفاعليات وعائلات، مثل جونية، جبيل، الجديدة – السدّ – البوشرية، قرطبا وغيرها، فيما تطغى العائلية في الجرود الكسروانية والجبيلية، مثل حراجل وكفرذبيان وفاريا والعاقورة… مما أدى إلى انسحاب الأحزاب كي لا تسقط في زواريب العائلات وتخرج مهشّمة.
أما في شحيم (قضاء الشوف وأكبر بلدات إقليم الخروب)، التي يتحدّر منها وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجّار، ومدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء رائد عبدالله، فتراجعت الأحزاب أو ركنت خلف العائلات التي تخوض معركة قوية بين عشرات المرشّحين، بينما تخوض الأحزاب مؤتَلِفةً معركة برجا (ثاني أكبر بلدات الإقليم ) في وجه لائحة أخرى غير حزبية.
في هذا الجوّ التنافسي العائلي والحزبي، يبقى الإنماء هو أساس العمل البلدي في ظل النظام السياسي المركزي الحالي، غير أنّ لبعض البلديات قضايا وهموماً تتخطى المسائل التنموية والاجتماعية، بل تطرح في صناديقها مسائل تُعنى بالهوية التاريخية والمجتمعية مثل الجيّة، نظراً لتداخل العوامل السياسية والحزبية والطائفية في آن.
لجبل لبنان قصة قديمة مع السلطة المحليّة، فأولى بلديات لبنان والمنطقة نشأت في ربوعه، فكانت البداية مع دير القمر حيث تأسست عام 1864، تزامناً مع صدور قانون التنظيمات العثماني، ووضع بروتوكول متصرفية جبل لبنان موضع التنفيذ الذي كرّس الاستقلال الذاتي وشكّل نواة دولة “لبنان الكبير”. ثمّ أنشئت بلدية جبيل عام 1879، وبعدها زوق مكايل 1912 بطلب من الأهالي، ثمّ كرّت السبحة في بلدات ومناطق المتصرفية وبعدها في الجمهورية اللبنانية. لذا إن الانتخابات البلدية والاختيارية راسخة وعميقة ومتجذّرة في الوجدان والثقافة اللبنانية السياسية والاجتماعية.