مقالات مختارة >مقالات مختارة
حتمية الصراع وحركته: بين الثبات الاستراتيجي ومرونة التكتيك


قاسم صالح صفا
في العلاقات بين الشعوب والأمم، لا يُعدّ الصراع خيارًا دائمًا، بل قد يكون قدَرًا مفروضًا، حين يكون العدو وجوديًا، يتربّص بالكيان والهوية والسيادة. من هنا تُفهم حتمية الصراع، لا باعتبارها دعوة إلى القتال الدائم، بل كإدراك عميق أن هناك عدوًا لا يمكن التعايش معه إلّا من موقع الندّية، والمقاومة، والحذر.
أولًا: حتمية الصراع
الحتمية هنا ليست نظرية، بل خلاصة تجربة فحين تواجه مشروعًا استعماريًا، أو كيانًا عنصريًا، أو غطرسة احتلالٍ لا يعترف بك شريكًا في الوجود، يصبح الصراع مع هذا العدو ضرورة تاريخية وأخلاقية.
هذه الحتمية لا تعني بالضرورة القتال المستمر، لكنها تعني:
أن العدو لا يتغير جوهريًا، ولو غيّر أسلوبه.
أن الاستعداد للمواجهة واجب دائم.
أن التهاون مقتل.
ثانيًا: حركة الصراع.
لكن الحتمية لا تلغي المرونة في إدارة الصراع فكما أن الحرب لا تكون خيارًا دائمًا، كذلك السلام لا يُمنح مجانًا. من هنا تأتي أهمية حركة الصراع، أي إدارته بعقل استراتيجي، يوازن بين المبادئ والثوابت، وبين المعطيات والمصالح.
حركة الصراع تشمل:
التوقيت: متى نواجه؟ ومتى نُهادن؟
الوسيلة: هل بالرد العسكري؟ أم السياسي؟ أم الإعلامي؟
الأثر: كيف نحافظ على جمهورنا؟ وعلى قضيتنا حيّة؟
فالحرب ليست فقط إطلاق نار، بل إدارة رواية، وتثبيت حق، وبناء وعي، وتحصين الداخل.
بين الثبات والمرونة
إنّ فهم الفرق بين حتمية الصراع وحركته يجنّبنا السقوط في فخَّيْن:
1. فخّ الاستسلام بذريعة الواقعية.
2. وفخّ التهور بذريعة المقاومة.
إن الثابت أن لنا قضية لا تموت، وعدو لا يتغيّر، أما المتغير فهو كيف نقاتل، ومتى، وبأي أدوات. وهذا هو جوهر السياسة التي لا تفرّط ولا تتجمّد.
اذن الصراع مع عدو استراتيجي لا يُدار بالعواطف وحدها، ولا يُخاض بالسلاح فقط، بل يُفهم كمسار طويل من الصبر والبناء والمواجهة والمناورة.
فمن يُدرك حتمية الصراع، ويُحسن حركته، هو الذي يصنع الانتصار في الوقت المناسب. انتهى المقال.