بأقلامهم >بأقلامهم
"مراجعة الذّات"!



جنوبيات
أذكرُ في حيّنا القديم حيث وُلدت وترعرعت أنّ رجلًا صالحًا يُدعى "أبو أحمد" (وكان يعمل في النّجارة) كان يردّد هذه المقولة دائمًا ومفادها:
"لنا ربٌّ كَريم يبدأُ بالنّوال قبلَ السّؤال، لا يردّ طلب سائلٍ، ولا سُؤالَ طالب، وابلُ رحماتِه هاطِل، وفيضُ غُفرانه غامِر، يدهُ ملأىٰ، وهباتهُ جزلىٰ، وشكرُنا عن كلّ هذا قاصِر".
كما كان يضيف إلى هذه المقولة:
"وإن ضاقت عليك الأرض بما رحُبت.. اخرج وانظر كيف هي السّماء قد رُفعت..
أما علمت بأنّ الله رافعها.. قادر على تفريج كروبك وإن عظمت".
في الغالب العزلةُ لا تعني كرهَ الأصدقاء، ولا يُقصد بها التوقّفُ عن العطاء، ولا يُراد بها الابتعادُ عن أحدهم. فقد تكونُ لمراجعةِ الذّات وتقييمِ المرحلة.
لذلك هي نيّةُ الاقترابِ من النّفس والانتباهِ إليها.
وعليه، ولبيان مسار التّعاطي مع الآخرين، يتجلّى قول أهل الحكمة والمعرفة:
"ضع العدسة المكبّرة جانبًا، فتضخيم الأمور التّافهة لن يزيدك إلّا تعبًا".
أعطِ كلّ شيء قدره المناسب، فإن أعطيته أكبر من حجمه وأهمّيّته صَعُبَ عليك التّعامل معه. فالصّمت أفضل من النّقاش مع شخص تدرك جيّدًا أنّه سيتّخذ من الاختلاف معك حربًا، لا محاولة فهم لعمق المسألة وكنهها الحقيقيّ.
هذا وعندما يعتذر إليك إنسان، "ليس بالضّرورة أنّه مخطئ وأنّك على حقّ"، فلربّما أراد أن يقول لك إنّ علاقتكما أهمّ من كبريائه.
فكلمة أنا آسف تعني:
"أنّني أريد الاحتفاظ بك بغضّ النّظر عن أي شيء، فلا تأخذك عزّة النّفس أبعد ممّا ينبغي".
لذا، رمِّمْ كبرياءه على الفور لأنّ هؤلاء البشر لديهم طهارة القلب، ولا يعرفون معنى الحقد، وأصبحوا من الأشياء النّادرة في هذا الزّمن.
اللهمّ يا بارئ البريّات، وغافر الخطيّات، وعالم الخفيّات، المطّلع على الضّمائر والنيّات، يا من أحاط بكلّ شيء علمًا، ووسع كلّ شيء رحمة، وقهر كلّ مخلوق عزّة وحكمًا، اغفر لنا ذنوبنا، واستر عيوبنا، وتجاوز عن سيّئاتنا، إنّك أنت الغفور الرحيم.
آمين يا ربّ العالمين.