بأقلامهم >بأقلامهم
دور فلسطين في الحوار الإقليمي



جنوبيات
في ظل التحولات التي تشهدها المنطقة، تتزايد أهمية بناء حوارات إقليمية شاملة، بحيث لا تُقصي أحداً، ولا يتم اختزالها بقضايا معينة. هنا، من الضروري أن تبرز فلسطين كفاعل يمكنه المساهمة بصياغة حلول إقليمية، تتجاوز البعد السياسي التقليدي.
فلسطين لها القدرة على فتح مساحات من الحوار، ليس فقط بصفتها القضية المركزية، بل لأنّ ما يمثلها هو مجموعة من القيم كالصمود، العدالة، والكرامة الإنسانية، والتي تمنحها القدرة على مخاطبة وجدان الشعوب في المنطقة والعالم، فالشعب الفلسطيني الذي عرف مرارة الشتات، يحمل في موروثه فهماً عميقاً لمعنى مد الجسور والتعايش، لا بناء الجدران. كما أنّ كل أنماط التهميش والعزلة التي عايشتها فلسطين، ولّدت لدى الفلسطينيين فهماً عميقاً للآخر، ووعياً بأهمية التواصل، والبحث عن نقاط التقاطع والالتقاء، لا القطيعة.
لذا، حين تتحدث فلسطين، فهي لا تطلب فقط أن تُسمع وتُفهم، بل تُذكّر الجميع بأنّ الحوار هو الخيار المتاح دائماً والأقل كلفة والأفضل، مهما تعقّدت الظروف. فبدلاً من أن تُختزل فلسطين بمظلوميتها، يمكن أن تظهر كصوت يعكس النضج والتفكير العميق والحكمة النابع من الخبرة الطويلة بمواجهة أصعب المواقف، وأن تكون جزءاً من الحوار الإقليمي، وأن تدعو إلى حلول شاملة، وتطرح نماذجاً من التفاعل الثقافي، والسياسي، والإنساني، بمعنى أن تكون دينمو وطاقة تحرك الحوار، لا تعطله.
برزت اليوم العديد من الملفات الإقليمية؛ كالأمن الغذائي، التغير المناخي، التكامل الاقتصادي، وغيرها من الملفات، وهنا يمكن أن يبرز دور فلسطين كصوت لا يتحدث عن ذاته فقط، بل عن تطلعات شعوب المنطقة إلى شراكات عادلة ومستدامة. فمن خلال جالياتها المنتشرة، ومثقفيها المؤثرين، وسفرائها المميزين، تستطيع فلسطين أن تكون جزءاً من الحل، لا فقط من السردية، وأن تتخطّى دور المظلومية، لتكون هي المبادر والصوت المسموع.
لكن، حتى يتحقق هذا الدور المأمول، لا بد من تغيير في زاوية الطرح من قبل فلسطين ذاتها، وأن ينتقل الفلسطينيون من مناشدة العالم لفهم القضية، إلى المبادرة بإعادة صياغة الخطاب، والخروج من إطار "الضحية المطالبة"، إلى دعوة الإقليم لمشاركة فلسطينية فاعلة في الملفات المشتركة. بمعنى أن تصبح فلسطين فاعلاً إقليمياً يطرح حلولاً، وتشارك ببلورة رؤى، وذلك انطلاقاً من رؤية متجدّدة، لا تهمل الماضي، بل تبني عليه حاضراً ومستقبلاً مسؤولاً.
في المشهد الإقليمي القادم، لا ينبغي تجاوز فلسطين. بل آن الأوان لأن يكون لها مقعد مستحق على طاولة الحوار، ليس فقط بصفتها قضية، بل كشريك فاعل بصياغة رؤى المنطقة ومستقبلها.