بأقلامهم >بأقلامهم
"عبقريّة الطّغيان"!
"عبقريّة الطّغيان"! ‎الجمعة 27 06 2025 18:42 القاضي م جمال الحلو
"عبقريّة الطّغيان"!

جنوبيات

انها قصّة تحاكي مسألة في غاية الأهمّيّة، تدور حول عنوان صادم مفاده: "فنّ اغتصاب العقول"!

يُحكى أنّه ﻓﻲ نيودلهي، عاﺻﻤﺔ الهند، ﻛﺎﻥ ﺳﻔﻴﺮ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ﻳﻤﺮّ ﺑﺴﻴّﺎﺭﺗﻪ ﻣﻊ ﻗﻨﺼﻞ مملكته، 
وفجأة رأى ﺷﺎﺑًّﺎ ﻫﻨﺪيًّا ﺟﺎمعيًّا ﻳﺮﻛﻞ ﺑﻘﺮﺓ برجله. ﻓﺄﻣﺮ ﺍﻟﺴّﻔﻴﺮ ﺳﺎﺋﻘﻪ بأن ﻳﺘﻮﻗّﻒ ﺑﺴﺮﻋﺔ، ﻭﺗﺮﺟّﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻴّﺎﺭﺓ ﻣُﺴﺮﻋًﺎ ﻧﺤﻮ ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ "ﺍﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ"، ليدفع ﻋﻨﻬﺎ ذلك ﺍﻟﺸﺎﺏّ ﺻﺎﺭخًا ﻓﻲ ﻭﺟﻬﻪ، ﻭﻳﻤﺴﺢ ﻋﻠﻰ ﺟﺴﺪﻫﺎ ﻃﻠﺒًﺎ للصفح ﻭﺍﻟﻤﻐﻔﺮﺓ، ﻭﺳﻂ ﺩﻫﺸﺔ ﺍﻟﻤﺎﺭّﺓ ﺍﻟﺬﻳﻦ اﺟﺘﻤﻌﻮﺍ ﺑﻌﺪ ﺳﻤﺎﻉ ﺻﺮﺍخ السّفير، ﻭﻭﺳﻂ ﺫﻫﻮﻝ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮﻳﻦ. ثمّ اﻏﺘﺴﻞ ﺍﻟﺴّﻔﻴﺮ ﺍﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲّ ﺑﺒﻮﻝ ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ ﻭﻣﺴﺢ ﺑﻪ ﻭﺟﻬﻪ، ﻓﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺎﺭّﺓ إلّا ﺃﻥ سجدوا ﺗﻘﺪﻳﺮًا للبقرة التي ﺳﺠﺪ لها ﺍﻟﻐﺮﻳﺐ.
وبعد ذلك أحضروا اﻟﺸّﺎﺏّ ﺍﻟﺬﻱ ﺭكل البقرة ﻟﻴﺴﺤﻘﻮه أﻣﺎمها اﻧﺘﻘﺎﻣًﺎ ﻟﻘﺪسيّة ﻣﻘﺎﻣﻬﺎ ﻭﺭﻓﻌﺔ ﺟﻼﻟﻬﺎ.
ثمّ عاد السّفير إلى سيّارته ﺑﺮﺑﻄﺘﻪ ﻭﻗﻤﻴﺼﻪ ﺍﻟﻤُﺒﻠّﻞ ﺑﺒﻮﻝ البقرة ﻭﺷﻌﺮه ﺍﻟﻤﻨﺜﻮﺭ، ﻟﻴﺮﻛﺐ "ﺳﻴّﺎﺭﺓ اﻟﺴّﻔﺎﺭﺓ" ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﻘﻨﺼﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﺎﺩﺭه باﻟﺴّﺆﺍﻝ ﻋﻦ ﺳﺒﺐ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻪ، ﻭﻫﻞ ﻫﻮ ﻣﻘﺘﻨﻊ ﺣﻘًّﺎ ﺑﻌﻘﻴﺪﺓ ﻋﺒﺎﺩﺓ ﺍلبقر.
فأجاب ﺍﻟﺴﻔﻴﺮ إجابة تعكس عبقريّة الطغيان على العقول، إذ قال:
 إنّ قيام ﺍﻟﺸّﺎﺏّ بركل البقرة هو ﺻﺤﻮﺓ للعقول، ﻭﺭﻛﻠﺔ ﻟﻠﻌﻘﻴﺪﺓ الهشّة ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺮﻳﺪﻫﺎ أن تستمرّ. ﻭﻟﻮ ﺳﻤﺤﻨﺎ ﻟﻠﻬﻨﻮﺩ ﺑﺮﻛﻞ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪ، ﻟﺘﻘﺪّﻣﺖ ﺍﻟﻬﻨﺪ ﺧﻤﺴﻴﻦ ﻋﺎﻣًﺎ ﺇﻟﻰ الأمام. حينئذ ﺳﻨﺨﺴﺮ ﻭﺟﻮﺩﻧﺎ ﻭﻣﺼﺎﻟﺤﻨﺎ ﺍﻟﺤﻴﻮﻳّﺔ، ﻓﻮﺍﺟﺒﻨﺎ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﻲّ ﻫﻨﺎ أﻥ ﻻ ﻧﺴﻤﺢ ﺑﺬﻟﻚ ﺃبدًا، ﻷﻧّﻨﺎ ﻧُﺪﺭﻙ ﺑﺄﻥّ ﺍﻟﺠﻬﻞ ﻭﺍﻟﺨﺮﺍﻓﺔ والتّعصّب الدينيّ والمذهبيّ ﻫﻲ ﺟﻴﻮﺷﻨﺎ التي نعتمد عليها ﻓﻲ ﺗﺴﺨﻴﺮ ﺍلمجتمعات.
فهل عرفنا الآن لماذا الغرب يدعم الجهل والخرافة والتعصّب الدّينيّ والمذهبيّ الأعمى في عالمنا العربيّ والإسلاميّ؟
هذا هو فنّ اغتصاب العقول، فهل من يتّعظ؟

المصدر : جنوبيات