عربيات ودوليات >أخبار دولية
مرونة في الغرف المغلقة وتشدّد خطاب عاشوراء..
مرونة في الغرف المغلقة وتشدّد خطاب عاشوراء.. ‎الاثنين 30 06 2025 07:09
مرونة في الغرف المغلقة وتشدّد خطاب عاشوراء..

جنوبيات

في المشهد الآن، حركة اتصالات لبنانية بين كبار المسؤولين: فريق الرئيس جوزف عون يتحرك، الرئيس نواف سلام في بعبدا ثم في عين التينة، حزب الله يستنفر فريقه المحاور مع بعبدا، وإعلامه، ونوابه، لإبداء اعتراضات مرنة: لها سقف جديد من التبريرات، لما يتعين ان يكون عليه الوضع في البلاد في ضوء:
1 - استعجال أميركي لمعالجة وضعية سلاح حزب الله ككل، بعيداً عن منطق جنوبي أو شمالي نهر الليطاني..
2 - في أدوات الضغط الأميركي إبلاغ المسؤولين الرسميين وغير الرسميين بأن الوسيط الأميركي في سوريا طوم براك يريد العودة الى بيروت لاستلام ورقة الردّ اللبناني على ما عُرف بالمقترحات الأميركية لإنهاء الوضع غير السليم بين لبنان واسرائيل على الطريقة الكيسنجرية التي طبقت مع مصر بعد حرب 1973، وأدت في ما بعد الى اتفاقيات كمب ديفيد أو اتفاقيات داوود، وأولها معاهدة السلام بين اسرائيل ومصر..
3 - ومن أدوات الضغط الأميركي التمديد لقوات حفظ السلام في جنوب الليطاني أو «اليونيفيل» بشروط تتعلق بتوسيع مهامها وصلاحياتها، لجهة المداهمة ومصادرة الأسلحة والقيام بعمليات الاستطلاع والتفتيش، سواءٌ تعلق الأمر بمرافقة الجيش اللبناني، والتنسيق معه أم لا..
4 - على أن الأخطر، لا يتعلق فقط بورقة للإصلاحات أو إعادة الإعمار، سواءٌ في الضاحية الجنوبية أو القرى الأمامية التي شهدت معارك طاحنة بين وحدات النخبة الاسرائيلية ووحدات «قوات الرضوان» وطرق النخبة الأخرى في حزب الله.. بل بلجوء «التنسيق الأميركي- الاسرائيلي» الى ممارسة الضغط الميداني عبر استمرار عمليات القصف والاعتداءات والاغتيالات والتحليق ليل نهار فوق مختلف المناطق اللبنانية.
في المعطيات المتوافرة، ليس بإمكان الرئيس عون أو الحكومة ورئيسها عدم التجاوب مع المساعي الأميركي، إن لم نقل الضغط الأميركي والاقليمي، فلا بدَّ من «خطوة ما» تبعث بإشارة ايجابية الى ادارة الرئيس دونالد ترامب، الذي دخل مباشرة على خط متابعة الوضع في لبنان، من ضمن اهتماماته المباشرة بسائر الملفات، المرتبطة بدول أو تنظيمات مسلحة، كانت تندرج ضمن ما يُسمَّى محور المقاومة او محور الممانعة..
ترغب سلطة عون - سلام في الاستحصال على «ردّ موحَّد» يأخذ طريقه التنفيذية عبر قرار يصدر عن مجلس الوزراء بالأكثرية أو الاتفاق، إن لم يكن بالإجماع الوزاري، معنى ذلك ان يقبل به وزراء «الثنائي الشيعي»، على خلفية الالتزام، الذي يسبق الخطوات العمليات لمعادلة إنهاء العدوان مقابل إنهاء احتكار حزب الله لما يسمى بمنصات صواريخ ومسيّرات وأسلحة ثقيلة. وعلى هذا الأساس دارت عجلة الاتصالات، التي كانت محطتها الأبرز في لقاء عين التينة بين الرئيسين بري وسلام، من زاوية دور رئيس المجلس بالتواصل مع حزب الله لهذه الغاية..
قبل أيام قليلة، شهدت الاجتماعات الحوارية بين فريق الرئيس عون وفريق حزب الله مقاربة مباشرة للخطوات، طالب فريق بعبدا بخطوات عملية، يقبل بها الخارج أي الطرف الأميركي وأطراف اقليمية أخرى.. ويعني الموافقة على تسليم الصواريخ أو ما يُسمَّى بالأسلحة الثقيلة، باعتبار أن الاسلحة المتوسطة والخفيفة ليست هي المشكلة الآن..
المعلومات الدقيقة حول ما كان عليه جواب حزب الله ليست متيّسرة تماماً، لكن الوقائع، وخطابات الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم،  تؤشر الى ما يشبه الممانعة من التعاطي مع مسألة تسليم السلاح قبل أن يبدأ الجانب الاسرائيلي بتنفيذ ما التزم به في اتفاق وقف النار، الموقَّع في 28 ت2 (2024) أي قبل تسعة اشهر.
يتحدث حزب الله  بلسان كبار قياديِّيه عن عدم التخلي عن عنصر من عناصر القوة، بعدما باتت المعادلة الذهبية: جيش- شعب- مقاومة، ليست ذات صلاحية، فقد ذهبت مع جملة متغيرات وتحولات ترتبت على «حرب المساندة» لغزة، والتي انتهت الى ما انتهت إليه..
بعد الحرب الإسرائيلية - الإيرانية، التي انتهت الى ما انتهت اليه من خسائر بشرية وعلمية وتقنية، لا سيما لدى الجانب الايراني، اصبح الشرق الأوسط برمته أمام شهدية غير مسبوقة، ولا تتعلق فقط بالمسألة الفلسطينية - بل بالأدوار والأحجام وجيوبوليتكا الهيمنة والسيطرة على الثروات والمقدرات والبحار والانهار، وكل شيء في المجتمعات المتعددة الأديان والقوميات والطموحات والمصالح الكبرى.
قاتلت إيران دفاعاً عن إيران، وأثبتت عدم قابلية الرهان على انكسارها والاطاحة بنظامها، على نحو ما حصل مع نظام آل الأسد في سوريا، وأنظمة عربية أخرى في مصر وتونس وليبيا والعراق.
لا يلعب الوقت لمصلحة نظام الادارة اللبنانية المنبثقة عن مرحلة ما بعد سكوت المدافع بين اسرائيل وحزب الله.. لكن الحزب يلعب على ورقة الوقت، وما كان حاضراً في خطاب الشيخ قاسم ليلة امس الأول من ليالي إحياء ملحمة الطف في ضاحية بيروت الجنوبية (ذكرى عاشوراء). فهو دعا الى الصبر قليلاً، متوقعاً تغيراً في الاوضاع، وعدم سكوت الحزب عن استمرار الاغتيالات والتعديات..
المسألة هنا، ليست مسألة اشتباك في الهواء، بل مسألة خيارات لم تتفق بعد على الحد الأدنى لمفهوم السيادة والدور في مرحلة الحرب وما بعدها.

المصدر : اللواء