لبنانيات >أخبار لبنانية
لهذه الأسباب يتحفّظ "الثنائي" على إقتراع المغتربين!


جنوبيات
منذ إقرار القانون النسبي عام 2017، دخل اللبنانيون المغتربون رسمياً إلى الحياة الانتخابية، لكن مشاركتهم بقيت موضوعاً خلافياً، خاصة لدى «الثنائي الشيعي». ورغم تأكيد «الثنائي» أنه ليس ضد حق المغتربين في الاقتراع، فإن تحفّظه الفعلي ينصبّ على آلية هذا الاقتراع وتأثيره، إذ يرى فيه تهديداً للتوازنات السياسية والطائفية التي يستفيد منها في الداخل.
تاريخياً، كان الانتشار اللبناني مهمّشاً انتخابياً. قانون 2017 أقرّ للمرة الأولى مبدأ إشراك المغتربين عبر «الدائرة 16» المخصصة لهم بستة مقاعد فقط.
هذه الصيغة كانت تسوية مقبولة للثنائي: حق شكلي محدود التأثير، يمكن التفاوض عليه طائفياً وسياسياً، من دون السماح للمغتربين بالتأثير في نتائج الدوائر الداخلية المختلطة.
لكن هذه المعادلة انهارت في 2022، حين أُلغي العمل بالدائرة 16 وصوّت المغتربون في دوائرهم الأصلية، ما أثار اعتراض الثنائي وتحذيراته من «خلل في التوازن الوطني».
انقلاب المزاج الشعبي بعد ثورة 17 تشرين 2019 غيّر موقع المغتربين في المعادلة. لم يعودوا مجرد خزان حوالات مالية، بل صاروا ناخبين سياسيين غاضبين من الطبقة الحاكمة، ومؤيدين لقوى المعارضة والتغيير.
أكثر من 225 ألف مغترب تسجلوا للانتخاب في 2022، معظمهم في أوروبا والخليج وأفريقيا. في دوائر مثل بيروت، الشوف، المتن، زحلة، وبعبدا، رجّحت أصواتهم كفّة المعارضة وأسقطت مرشحين موالين للثنائي أو حلفائه.
هذا التطور أكد خشية «الثنائي» من الناخب (الحر) في الخارج، الذي يصعب إخضاعه للنفوذ المحلي أو الزبائنية أو الترهيب.
التحفّظ الأعمق، (الذي نادراً ما يُقال صراحة) هو البُعد الديموغرافي - الطائفي. الغالبية الساحقة من اللبنانيين المنتشرين تاريخياً هم من المسيحيين، إضافة إلى كتلة وازنة من السنّة، خصوصاً في الخليج.
بالنسبة للثنائي، هذا يعني أن المغتربين يشكّلون رافعة ديموغرافية لخصومه.
هذا الخلل في التوازن الطائفي يجعل من الصوت الاغترابي عاملاً مقلقاً للـ«ثنائي»، الذي يعتبر الحفاظ على التوازنات الطائفية الحالية ضماناً لنفوذه النيابي.
في الداخل، يملك الثنائي الشيعي قدرة عالية على تعبئة ناخبيه في الجنوب والبقاع والضاحية.
«الثنائي» لا يصرح دائماً بهذه الاعتبارات الديموغرافية والسياسية. خطابه الرسمي يركّز على «ضمانات النزاهة».
حزب الله وحركة أمل يكرران أن التصويت في الخارج قد يكون عرضة للتزوير، أو لتدخّلات سفارات ودول معادية، ويطالبان بضوابط إدارية وقانونية صارمة، فيما خصومهما يردّون بأن هذه الذرائع تستخدم لإفراغ حق المغتربين من مضمونه، وحصره بصيغة «الدائرة 16» التي تجعل أصواتهم محدودة وغير مؤثرة.
«الثنائي الشيعي» ليس ضد حق المغتربين مبدئياً، لكنه يستخدمه كورقة تفاوضية في أي نقاش حول قانون الانتخاب، إذا يقبل به إذا قُيّد «بالدائرة 16»، ويعارضه إذا كان في الدوائر الداخلية، ويطرح موضوع «الضمانات» أداة لعرقلة أو تأجيل الملف.
هكذا يبقى حق المغتربين رهينة التوازنات والتسويات الكبرى.
في النهاية، يخشى «الثنائي»، مثل معظم القوى التقليدية، أصوات الخارج لأنها مرآة مختلفة للبنان، لأنهم لا يخضعون للترهيب أو الخدمات، وبالتالي أكثر اطّلاعاً على الفساد والأزمات، كذلك فإنهم يميلون للتغيير، أيا كانت هويتهم الطائفية.
لذلك سيظل حق اقتراع المغتربين ساحة صراع سياسي في لبنان، بين من يريد تقييده لحماية نفوذه، ومن يراه فرصة لإنعاش الحياة الديمقراطية في بلد يعيش على إيقاع الأزمات والتوازنات الطائفية الهشة.
مع اقتراب الاستحقاقات المقبلة، يُطرح مجدّداً سؤال المشاركة الاغترابية. فهل يعود النقاش إلى «الدائرة 16»؟ أم يُبقي الوضع على ما كان عليه في 2022؟ في كلتا الحالتين، يبدو واضحاً أن «الثنائي الشيعي» سيحاول استعادة زمام المبادرة، إما من خلال تعديل قانوني يُقيّد تصويت الخارج، أو من خلال إعادة طرح الملف كورقة تفاوضية داخل سلّة إصلاحات أو تسويات انتخابية.