بأقلامهم >بأقلامهم
أرض لبنان..



جنوبيات
في خضمّ العمل على إنجاز بسط سيادة الدولة على أراضيها بقواها الذاتية، أي إنهاء أية شراكة مع الدولة في سيادتها على الأرض اللبنانية وفي وحدانيّة السلطة والسلاح وقرار الدفاع عن لبنان، هناك من يتبرّع بالتنازل عن أجزاء من الأرض اللبنانية لتسهيل تلك المهمة عبر سحب ذريعة وجود أراض محتلّة للبنان والقول بانتفاء الحاجة إلى تحريرها وبالتالي انتفاء الحجّة عند المتمسّكين بسلاحهم، في تناقض فاضح بين القول والفعل.
هذا الأمر يعني مزارع شبعا التي لا بدّ من التذكير بوجود محاضر رسمية بين دولتي لبنان وسوريا في الأربعينات والستينات من القرن الماضي تتضمن البتّ النهائي بلبنانيّتها، و بأنها تشكل جزءًا من قضاء حاصبيّا اللبناني، الذي شكّل، منذ العام 1920 عند إعلان قيام لبنان الكبير، مع أقضية ومناطق أخرى، الأرض التي تكوّنت منها الدولة اللبنانية التي أصبح لها دستور في العام 1926 واعترف العالم بها وبحدودها بقرارات عصبة الأمم أولًا، ومن ثم اعترف بها دولةً مستقلةً العام 1943 شاركت بتأسيس منظمة الأمم المتحدة.
والحدود تلك أُدرجت في المادة الأولى من الدستور التي لا ضير من إدراج نصّها الكامل والحرفي هنا من باب تأكيد المؤكّد والتذكير بالبعد الدستوري للمسألة.
المادة الأولى: "لبنان دولة مستقلة ذات وحدة لا تتجزأ وسيادة تامة. أما حدوده فهي التي تحده حاليا:
شمالًا: من مصب النهر الكبير على خط يرافق مجرى النهر الى نقطة اجتماعه بوادي خالد الصاب فيه على علو جسر القمر.
شرقًا: خط القمة الفاصل بين وادي خالد ووادي نهر العاصي (اورنت) مارًا بقرى معيصرة - حربعاتة - هيت - ابش - فيصان على علو قريتي برينا ومطربا، وهذا الخط تابع حدود قضاء بعلبك الشمالية من الجهة الشمالية الشرقية والجهة الجنوبية الشرقية ثم حدود أقضية بعلبك والبقاع وحاصبيا وراشيا الشرقية.
جنوبا: حدود قضائي صور ومرجعيون الجنوبية الحالية.
غربا: البحر المتوسط."
لم يقتصر نص الدستور على تعيين حدود لبنان بل أضاف في المادة الثانية منه بأنه:
"لا يجوز التخلي عن أحد اقسام الأراضي اللبنانية أو التنازل عنه."
هنا لا بدّ من التذكير بأن على أي عامل في الشأن العام أن يعي خطورة أقواله التي تنمّ عن تنازل عن أجزاء من أرض لبنان، لأنها تخرق الدستور. ولمن قد يستهين بذلك يُشار بأن خرق الدستور هنا ينطوي على أوصاف جنائية نص عليها وجرّمها قانون العقوبات.
فقد نصت المادة 277 من قانون العقوبات الواردة تحت عنوان "الخيانة"، على ما يلي:
"يعاقب بالاعتقال الموقت خمس سنوات على الأقل كل لبناني حاول بأعمال أو خطب أو كتابات أو بغير ذلك أن يقتطع جزءًا من الأرض اللبنانية ليضمه الى دولة أجنبية أو أن يملكها حقًا أو امتيازًا خاصًا بالدولة اللبنانية، إذا كان الفاعل عند ارتكابه الفعل منتميًا الى إحدى الجمعيات أو المنظمات المشار اليها في المادتين 298 و318 عوقب بالاعتقال مؤبدًا".
كما نصت المادة 302 من قانون العقوبات الواردة تحت عنوان "الجنايات الواقعة على الدستور"، على ما يلي:
"من حاول أن يسلخ عن سيادة الدولة جزء من الأرض اللبنانية عوقب بالاعتقال الموقت أو بالإبعاد، وتكون العقوبة الاعتقال المؤبد إذا لجأ الفاعل الى العنف".
هذه النصوص تَعتبر "المحاولة" بذاتها جنايةً، لأن المشترع لم يخطر بباله أن ينجح يومًا أي كان في فعله. وجناية محاولة اقتطاع جزء من أرض لبنان لضمها إلى دولة أخرى، يتكوّن عنصرها الماديّ ليس فقط بالأعمال، بل بالخطب والكتابات أيضًا.