مقالات هيثم زعيتر >مقالات هيثم زعيتر
"شجرٌ يعدو جريحاً"… حين يكتب الضابط مجدي الحجار بالحبر لا بالرتبة
"شجرٌ يعدو جريحاً"… حين يكتب الضابط مجدي الحجار بالحبر لا بالرتبة ‎السبت 5 07 2025 08:35 جنوبيات
"شجرٌ يعدو جريحاً"… حين يكتب الضابط مجدي الحجار بالحبر لا بالرتبة

جنوبيات

في عالمٍ يُخيَّل فيه أن الانضباط العسكري نقيضٌ للشعر، يخرج العميد مجدي الحجار من قلب المُؤسسة العسكرية، لا ليأمر أو يُقرر، بل ليكتب، كما تُصلّي الشجرة المجروحة: لا لتُشفى، بل لتظلّ حيّة.
في ديوانه الجديد "شجرٌ يعدو جريحاً"، يُقدّم الحجار تجربة وجدانية، تنأى عن الزخرفة وتنحاز إلى الصدق.
عملٌ أدبي، صادر عن "دار النهضة العربية"، يقع في 160 صفحة، ويتضمن 42 قصيدة، تنوّعت بين شعر التفعيلة والقصائد العمودية، كُتبت بلغة مُشبعة بالتأمل والقلق، وبنزيف داخلي يختبر حدود الانتماء والحنين والفقد.
تتوزّع القصائد بين موضوعات الحب، والتصوف، والموت، والزمن، وأسرار الكتابة، لتُشكل سيرة باطنية لرجل خبر الحرب وجرّب الوحدة، وقرّر أن يكتب لا لينتصر، بل ليفهم.
الصديق العميد مجدي محمد الحجار، ولد في بلدة شحيم، في إقليم الخروب، بلد العلم والعلماء والمُثقفين والمُتعلمين والمُربين والقضاة والضباط، فأبصر النور في بيتٍ اتّخذ من اللغة والتديّن والانضباط الأخلاقي عناصر تأسيسية، حيث كان الحبر يُقدَّم كجزء من التربية، لا كترف، وهكذا ربى الوالدان محمد وهدى، أفراد العائلة، وفي طليعتهم العميد مجدي، وشقيقه وزير الداخلية والبلديات العميد أحمد الحجار، أحد الوجوه التي جمعت بين الفكر والإدارة، وكرّست قناعة بأن الكلمة مسؤولية، وليست رفاهية.
"كان أبي يزرعُ القصيدة في دفاترنا، وكنّا نحصد منها ظلّنا"..
بهذا الإرث كتب الحجار قصائده، من دون أن يتنكّر لهويته العسكرية، لكن من دون أن يسمح لها أن تحجب عنه لمسته الأدبية.
في ديوانه، نرى الضابط الذي لا يُصدر أوامر، بل يُدوّن أسماء الذين مرّوا ولم يعودوا، ونصوصاً تنبض بما لا يُقال في الثكنات.
هذه المجموعة هي الرابعة للعميد مجدي الحجار، بعدما أصدر: "حطام القصيدة": 2007، "وجهكِ وجهتي": 2015 و"الوجع الأبيض": 2017، فضلاً عن سلسلة من الكتابات الشعرية والمقالات، التي نشرها في الصحف والمجلات، وشكّلت له حضوراً ثقافياً رصيناً.
لكن هذا الإصدار، ربما الأكثر نضجاً، والتصاقاً بما يُشبه السيرة الذاتية، لا من باب السرد، بل من باب البوح.
في "شجرٌ يعدو جريحاً"، لا يحتمي الشاعر بالمجاز، بل يستخدمه ليكشف، لا يختبئ خلف الصورة، بل يفتح الباب على الجرح، ويترك اللغة تمشي حافية على طرقات الحياة.
قصائدٌ لا تُغلق الباب على الألم، بل تفتحه على الاحتمال، لا تتسوّل الحنين، بل تُثبّته كقيمة وجودية.
بهذا الديوان، يُؤكد العميد مجدي الحجار أن الانتماء إلى المُؤسسة العسكرية لا يُقصي الفرد عن الإحساس العميق بالمعنى، ولا يمنعه من التعبير عن ذاكرته بلغة نقية وشفافة، بل يجعله أكثر التصاقاً بالتعبير عن العديد من المشاهد وتظهير الصور.
هو عملٌ ينتمي إلى الشعر الناضج، لا إلى لحظة استعراض، ولا إلى طموح عابر، وليس ديواناً للزينة، بل دفتر عسكري خفيّ، يُسجّل فيه ما لم تقله الرتب.
وفي زمنٍ تكثر فيه الضجيج وتقل فيه الأصوات النقية، يخرج العميد مجدي الحجار العمل كدعوة للتأمل، ولإعادة الاعتبار لما يمكن أن تقوله القصيدة حين تُكتب بصدق، وحين تُنبت ظلّها… حتى من بين الجراح.

"شجرٌ يعدو جريحاً"… حين يكتب الضابط مجدي الحجار بالحبر لا بالرتبة
المصدر : اللواء