بأقلامهم >بأقلامهم
"الإنسان لا يُحاسَب على جريمة غيره"!
"الإنسان لا يُحاسَب على جريمة غيره"! ‎الجمعة 11 07 2025 18:29 القاضي م جمال الحلو
"الإنسان لا يُحاسَب على جريمة غيره"!

جنوبيات

في زمن تتداخل فيه الأحكام وتُشوَّه فيه المفاهيم، بات من الضّروريّ التّذكير بقاعدة أخلاقيّة وقانونيّة وشرعيّة لا تقبل التبديل، ألا وهي: 
لا يُسأل الإنسان عن ذنب لم يرتكبه، حتّى وإن كان فاعله أقرب النّاس إليه.
لقد أرست القواعد الشّرعيّة هذا المبدأ العظيم منذ قرون، حين قالت في آيات محكمات متكرّرة:
> "ولا تزر وازرة وزر أخرى" (الأنعام: 164)
أي لا تحمل نفسٌ وزر (ذنب) نفسٍ أُخرى.
 لم تُفرّق الآية بين أخٍ وأخيه، ولا بين والدٍ وولده، ولا بين زوجٍ وزوجته. 
الذّنب مسؤولية فرديّة، ولا مجال لنقل التّبعة إلى غير الجّاني.
لكنّنا نرى، في واقعنا، من يُمارس العكس تمامًا.
نرى أُسرًا تُنبذ بسبب جريمة أحد أفرادها.
نرى من يُحاكَم في محكمة المجتمع لأنّه يحمل اسمًا "أخطأ" غيره.
نرى أبًا يُؤنَّب، لا لذنب اقترفه، بل لأنّ ابنه "ضلّ الطريق".
وكأنّنا نُلغي العقل والشّرع والعدالة دفعة واحدة.
في الفقه والقانون، المسؤوليّة الجنائيّة شخصيّة، لا تنتقل ولا تورث. وقد أكّد الفقهاء والعلماء أنّ "لا يؤاخَذ القريب بجُرم قريبه"، إلّا إن ثبت تواطؤه أو تقصيره الفعليّ.
فهل يُعقل أن يُحاسب نوحٌ على غرق ابنه؟
القرآن يُجيب بوضوح حين يقول الله لنوح عليه السّلام:
> "إنّه ليس من أهلك، إنّه عملٌ غير صالح" (هود: 46)
بل حتّى في العدل الإلهيّ، لم يُؤاخَذ إبراهيم (عليه السّلام) على كفر أبيه، ولم يُحمَّل محمّد (عليه الصّلاة والسّلام) ذنب قومه. 
فكيف نُجيز لأنفسنا أن نمارس "العقوبة المعنويّة" على أبٍ أو أخٍ أو أمّ، ذنبهم الوحيد أنّ قريبًا لهم أخطأ؟
فلنُعد الأمور إلى نصابها:
فلنُحاسب الجاني وحده، لا نسبه ولا أسرته.
ولنتوقّف عن تصدير الإدانة الأخلاقيّة بالوراثة.
ولنُحيِ في أنفسنا قيمة العدل: "ولا تزر وازرة وزر أخرى".
صفوة القول:
في مجتمع العدل، لا يُسأل الإنسان إلّا عمّا اقترفت يداه. وكلّ ما دون ذلك ظلمٌ مرفوض، باسم الدّين والعقل والضّمير.

المصدر : جنوبيات