لبنانيات >أخبار لبنانية
الفرصة الأخيرة أم وصفة للتصعيد؟ خارطة الطريق الأميركية ومأزق القرار اللبناني


جنوبيات
تسلّم الرؤساء اللبنانيون الثلاثة الرد المكتوب الذي أرسله المبعوث الأميركي الخاص توم باراك، في إطار الوساطة التي تقودها واشنطن لاحتواء التصعيد الحدودي مع إسرائيل، ولطرح «خارطة طريق» شاملة تتضمن مطالب صريحة بنزع سلاح حزب الله، وتنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية عاجلة. وبحسب مصادر دبلوماسية مواكبة، يكتسب هذا الرد الأميركي طابعاً حاسماً، إذ تكرر واشنطن والرياض وصف المرحلة بأنها «الفرصة الأخيرة» أمام السلطات اللبنانية لتثبيت سيادة الدولة وإنهاء ما تعتبره «دويلة» خارجة عن القانون.
الرد الأميركي أتى بعد أن كانت الحكومة اللبنانية قد أرسلت في مطلع تموز الجاري وثيقة من ست إلى سبع صفحات، صيغت بالتنسيق بين رئاسات الجمهورية والحكومة ومجلس النواب، وتضمنت مقترحات لبنانية مضادة. أبرز ما ورد في الوثيقة اللبنانية هو التأكيد على ضرورة انسحاب الجيش الإسرائيلي الكامل من الأراضي اللبنانية المتبقية قيد الاحتلال، مثل مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والنقاط الحدودية المتنازع عليها، كشرط مسبق لنزع سلاح حزب الله في المناطق الحدودية. كذلك اقترحت بيروت جدولاً زمنياً غير محدد بشكل صارم، مع التزام مبدئي بتعزيز سيطرة الدولة على السلاح داخل الأراضي اللبنانية، على أن يتم ذلك بوساطة أممية وتفاهمات إقليمية.
في المقابل، ردّت واشنطن برسالة خطية جديدة تعتبر أكثر تفصيلاً، مطالبة السلطات اللبنانية بتحديد مهلة زمنية واضحة لا تتجاوز نهاية العام 2025 للبدء الفعلي في نزع السلاح الثقيل لحزب الله، وتوسيع سلطة الدولة على طول الحدود الجنوبية. ووفق مصادر أميركية وسعودية متطابقة، فإن هذه المهلة تعكس «الفرصة الأخيرة» التي تمنحها العواصم الداعمة للبنان قبل وقف أي دعم مالي أو سياسي إضافي، في ظل اشتراطات دولية تربط المساعدات والإصلاحات بإنهاء مظاهر السلاح غير الشرعي.
ويأتي هذا التفاوض في ظل سياق إقليمي حساس. منذ حرب غزة الأخيرة، يشهد الجنوب اللبناني أعنف جولات التصعيد منذ 2006، مع قصف متبادل شبه يومي وتوسّع الضربات الإسرائيلية في العمق اللبناني، وتهديد حزب الله بتوسيع دائرة النار إذا استمر «العدوان».
في الوقت نفسه، ترى إسرائيل في «خارطة الطريق» الأميركية فرصة لانتزاع التزام لبناني رسمي بنزع سلاح حزب الله، لكن مصادر دبلوماسية تقول إن تل أبيب لا تخفي شكوكها في قدرة الدولة اللبنانية على تنفيذ ذلك دون اتفاق سياسي داخلي أوسع.
أما حزب الله، فيرفض حتى الآن أي طرح بنزع كامل لسلاحه قبل انسحاب إسرائيلي شامل من كل الأراضي اللبنانية المحتلة، ويصرّ على أن أي تفاهم يجب أن يتم فقط عبر الدولة اللبنانية الرسمية، وليس في إطار تفاوض مباشر مع الأميركيين أو الإسرائيليين.
ويعتبر الحزب أنّ الضغوط الأميركية السعودية تهدف إلى تغيير قواعد الاشتباك على الحدود دون ضمان حقوق لبنان السيادية.
في هذا المناخ المتوتر، تحاول الرئاسات اللبنانية الثلاث تحقيق توازن دقيق بين مطالب الدول الغربية والخليجية التي تشترط الإصلاح ونزع السلاح، وبين حسابات الداخل اللبناني وتعقيداته الطائفية والسياسية. ويخشى المراقبون أن يتحوّل هذا التفاوض إلى مجرد لعبة شراء وقت إذا لم يتم التوصل إلى آلية تنفيذية واضحة ومقبولة لجميع الأطراف، وسط تحذيرات أميركية من أن «الزمن بات هو المقياس» لأي التزام، وأن أي تسويفا سيقابل بعقوبات وضغوط إضافية.
وبحسب الدبلوماسيين، ستتم متابعة المفاوضات في الأسابيع المقبلة عبر وساطات دولية متعددة، على أن يعرض الرد اللبناني المعدّل لاحقاً.
وفي انتظار ذلك، تبقى الأوضاع الأمنية على الحدود مرشحة لمزيد من التصعيد، في ظل غياب ضمانات حقيقية لوقف شامل لإطلاق النار، وبقاء العوامل التي فجّرت النزاع الأخير قائمة من دون حلّ جذري.