عام >عام
"شيخ مجيب الرحمن.. مذكرات لم تكتمل" وثيقة تجربة "أبو الأمة" بقيادة الشعب البنغلادشي إلى الحرية
الجمعة 21 04 2017 09:38هيثم زعيتر
كثيراً ما تعرف الشعوب والمجتمعات حقيقة قادة تركوا بنضالهم بصمات، وأحدثوا تغييراً ساهم في استقلال بلاد، أو تحول استراتيجي ومفصلي، وغالباً ما يكون كلفته باهظة، دفع الروح فداءً للوطن.
هذا ما ينطبق على المناضل البنغلادشي شيخ مجيب الرحمن، الذي قاد ثورة، وتحمل عذابات السجن، وحقق تغييراً، ما أدى إلى انتخاب المواطنين لحزب "رابطة عوامي" الذي تزعمه بغالبية المقاعد البرلمانية في العام 1970، في أوّل تجربة ديمقراطية بعد الاستقلال وحكم عسكري دام 22 عاماً، ومهد لبزوغ فجر جديد في بنغلادش، حيث أصبح رئيساً لوزراء الدولة الجديدة، ومن ثم رئيساً لجمهورية بنغلادش في كانون الثاني/يناير 1975، قبل أن يغتال في انقلاب عسكري في دكا خلال شهر آب/أغسطس من العام ذاته.
شيخ مجيب الرحمن، يُعرف بأنه صانع استقلال بنغلادش وباني مجدها، ويعتبره البنغلادشيون "أبو الأمة"، وكان قد أعلن عن استخدام كلمة بنغلادش على ما كان يعرف بالإقليم الشرقي لباكستان أو باكستان الشرقية.
وهام جداً أن يوثق الزعماء والقادة تجاربهم الشخصية، ومن المهم أن تبصر هذه التجارب النور، والأهم أن يتم ترجمتها إلى لغات أخرى، إفساحاً للتعميم وكسباً للفائدة.
هذا ما ينطبق على الرئيس البنغلادشي شيخ مجيب الرحمن، الذي أبصرت تجربته، التي دوّنها في مذكرات سرية، النور، حيث أنقذت العناية الإلهية هذه المذكرات إثر اقتحام الانقلابيين لمنزله، فسلمت بعض أوراق نسخ هذه المذكرات، بعدما دفع حياته ثمناً لمواقفه والتصاقه بشعبه.
وحرصت كريمته شيخ حسينة رئيسة وزراء بنغلادش، على نشر هذه المذكرات في كتاب حمل اسم "مذكرات لم تكتمل"، وذلك باللغة البنغالية، قبل أن يتم ترجمها لاحقاً إلى الانكليزية، ومن ثم ترجمت إلى العربية من قبل المثقف الفلسطيني محمّد دباجة، بعدما طلب منه رئيس البعثة الدبلوماسية الفلسطينية في دكا السفير يوسف رمضان القيام بذلك، وعرض الأمر على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فشدد على ضرورة الارتقاء بهذا العمل ليتناسب مع مقام صاحب المذكرات، الذي كانت تربطه علاقات نضالية مع الرئيس الراحل ياسر عرفات والقيادات الفلسطينية.
صدر الكتاب بطبعته العربية عن "دار الرؤيا للنشر والتوزيع" في رام الله، في فلسطين المحتلة، ويقع في 394 صفحة من القطع الوسط.
وقدمت للكتاب ابنة الزعيم الراحل شيخ حسينة، بكلمات تعرض فيها المراحل التي مرّ بها والدها، وكيف أمضى زهرة شبابه وراء قضبان السجن، الذي دخله مراراً وتكراراً، ولم يساوم يوماً على مبادئه، وعجز حبل المشنقة أن يدخل الرهبة إلى قلبه، حيث بقيت قضية شعبه ومعاناته في طليعة اهتماماته فآل على نفسه أن يُعيد البسمة إلى وجوه فقراء بنغلادش، وأن يجعل بلاده نفسها تواكب البلدان المزدهرة، فقد كان لديه إيمان راسخ بأن الشعب البنغالي، سيعيش حياة حرة كريمة، عندما يتمتع بكامل حقوقه الأساسية، ويخرج من براثن كابوس الفقر، لهذا تخلّى شيخ مجيب الرحمن عن كافة أشكال رفاهية الحياة ورخائها، وتابع نضاله بلا كلل، ولا هوادة، لبلوغ هدفه، إلى أن تكلل هذا النضال بالنجاح، وحقق لبلاده الحرية، وارتقى بشعبه البنغالي إلى مستوى رفيع بين الأمم، وبنى له الدولة المستقلة ذات السيادة، وحقق له حلم الحرية التي ناضل من أجلها هذا الشعب سنوات طويلة، غير أنه عندما حقق لبلاده التحرر السياسي والبناء الاقتصادي، اغتالته رصاصات غادرة آثمة، فروى بدمائه الزكية أرض بنغلادش التي أحبها وناضل من أجل حريتها، لتبقى جريمة الاغتيال وصمة عار دائمة في جبين شعب ناضل لأجل حريته.
وقد واجهت شيخ حسينة، صعوبات جمّة في إخراج هذه المذكرات إلى النور، حيث كانت نُسخ من المذكرات واليوميات وسيرة حياته قد تعرّضت إلى تغيّرات بفعل العوامل الطبيعية، خاصة بأنها كانت في أحد غرف المنزل، فسلمت من نهب المقتحمين، لكن غزاها النمل الأبيض، واحتاج إعادة تجميعها جهداً، وحتى عندما شرع البروفسور عناية الرحيم بالعمل حول حياة بانغو باندو ومذكراته ويومياته، شكل موته المفاجئ خسارة كبيرة للمشروع الضخم.
وقبل إنتهاء شيخ حسينة من تجميع المذكرات واليوميات تعرّضت لمحاولة اغتيال بتفجير استهدف تجمعاً، فقتل عدد من مساعديها في العمل على جمع المذكرات، ومرّت بلحظات كادت أن تفقد فيها الأمل بأن ترى هذه المذكرات النور، لكن برز نور من بين الظلام بأن سلمها إبن عم لها 4 دفاتر، كان قد وجدها داخل أحد أدراج مكتب إبن عمهما، والذي كان صحفياً، وهو ما يفسّر أن شيخ مجيب الرحمن، كان قد أعطاه إياها لطباعتها، وربما كان يفكر بنشرها.
4 دفاتر بخط "أبو الأمة"، كانت كفيلة بأن تبصر النور بعد إنقاذها من التلف، بعدما أصبحت معظم أوراقها صفراء هشة ومهترئة، وبات الخط في أماكن كثيرة باهتاً، لدرجة يصعب معها تحديد كلماته، وأصبحت بعض الصفحات الداخلية للمذكرات غير مقروءة وممحية، وقراءة أسطرها في غاية الصعوبة.
تجربة غنية بالقراءة والتمحص للاستفادة منها، تؤكد أن إلتزام الإنسان بمحبة وطنه تستحق التضحية، حتى لو كانت على حساب الحياة الشخصية والابتعاد عن الرفاهية من أجل سعادة الآخرين، وهذا ما فعله شيخ مجيب الرحمن، وتواصل المسيرة كريمته شيخ حسينة، كبرى بناته الخمس.
* في بنغلادش يتم استخدام كلمة شيخ في الاسم باعتبار أنها كنية وليست لقباً، والكنية سبقت الاسم الأوّل، لذلك ذُكر "شيخ مجيب الرحمن" و"شيخ حسينة".