في الذكرى الثامنة لغياب عميد جريدة «اللواء» ومؤسسها الأستاذ عبد الغني سلام، لا نحيّي فقط اسماً صحفياً كبيراً، بل نستلهم مسيرة رجل جسّد بقلمه وسيرته معنى الالتزام الوطني، والمهنية الرصينة، والأخلاق الصحفية التي قلّ نظيرها في هذا الزمن.
أسّس عبد الغني سلام «اللواء» في مرحلة دقيقة من تاريخ لبنان والمنطقة، وكان هدفه منذ اللحظة الأولى أن تكون الصحيفة منبراً للحرية، وللدفاع عن قضايا الأمة، لا سيما القضية الفلسطينية، التي اعتبرها قضية العرب الأولى، ومقياس التزام أي صحافة حرة ونزيهة.
لم تكن «اللواء» عنده مجرد صحيفة، بل مشروعاً وطنياً وعربياً، أراد له أن يكون صوت الاعتدال، والعقل، والحكمة، في زمن طغت فيه لغة الانقسام والانفعال. فكان من أوائل الذين دعوا إلى الحوار والانفتاح بين مكونات الوطن، وإلى اعتماد الكلمة وسيلة للنقاش لا للفرقة، وللتنوير لا للتحريض.
أما في المهنة، فكان الأستاذ عبد الغني سلام مدرسة بحد ذاته. آمن بأن الصحافة ليست مهنة من لا مهنة له، بل رسالة ومسؤولية. شدّد على الدقة والموضوعية، ورفض الإثارة المجانية، وتمسك بالمصداقية كأساس لا يمكن التفريط به. فغرس في أجيال من الصحافيين الذين تتلمذوا في «اللواء» احترام الكلمة، وأمانة الحقيقة،وخدمة الوطن.
وبعد عقود من العمل الدؤوب، استطاع أن يكرّس «اللواء» واحدة من أكثر الصحف تأثيراً واحتراماً، دون أن يساوم على مبادئه، أو يتخلّى عن ثوابته. بقي حتى أيامه الأخيرة، حاضراً في صالة التحرير، يُتابع، يُوجّه، ويُشجّع، كأن النبض المهني لم يغادره لحظة.
رحل عبد الغني سلام، لكن بصمته باقية. باقية في صفحات الجريدة التي بناها، وفي قلوب من عمل معه، وفي وجدان من عرفه وقرأه. في زمن تتخبّط فيه الصحافة بأزمات المصداقية والتمويل، نحتاج أن نستعيد قيم هذا الرجل، وأن نعيد الاعتبار لتلك المدرسة التي آمنت بأن الصحافي خادم للحقيقة، لا تابع لمصالح أو أهواء.
في الذكرى الثامنة لرحيل رفيق الدرب والمعاناة، نُصلّي لروحه الطيبة، ونجدد العهد على مواصلة الرسالة التي حملها، صوناً للمهنة، وإلتزاماً بقضايا الوطن والأمة.