8 صفر 1447

الموافق

السبت 02-08-2025

علم و خبر 26

أخبار

علم و خبر 26

بأقلامهم

بأقلامهم

جميل أبو ديّة... مطربٌ لا يتكرّر!
جميل أبو ديّة... مطربٌ لا يتكرّر!
القاضي م جمال الحلو
2025-08-02

189

في زمنٍ كان الطّرب فيه رسالة، والأغنية مرآةً للروح، والأصوات تعبّر عن وجدان الشّعوب لا عن نزوات السّوق، وُلد صوت جميل أبو ديّة، وارتقى سريعًا إلى مصافّ الكبار، فصار أمير الغناء البلدي، ومطرب المعنّى والعتابا والميجانا والقصيد، وواحدًا من أبرز من أخلصوا لفن الموّال الجبليّ، بعذوبةٍ تشبه الينابيع، وقوة تشبه وقع معاول الفلاّحين على أرض الوطن.
منذ أربعينات القرن الماضي، ثمّ في الخمسينات والستّينات، لمع اسم جميل أبو ديّة، وارتبط صوته بالبيئة اللبنانيّة الأصيلة، بالصّوت الجبليّ العتيق، بالزّمن الذي كانت فيه الأغنية تجسّد الأرض والهويّة والنّاس. وكان أيضًا من أوائل مطربي الإذاعة اللبنانيّة، إذ شارك في تأسيس النّغمة الوطنيّة على أثير الدّولة الفتيّة، حين كانت الإذاعة منبرًا للثقافة والهويّة، لا للسطحيّة والاستسهال. وقد سجّل في أرشيفها أروع المواويل والقصائد والميجانا، فصار اسمه مرادفًا للأصالة في مرحلة البناء الثّقافيّ والإعلاميّ للبنان المستقل.صوت الجبل... ورفيق وديع الصّافي: لم يكن جميل أبو ديّة مطربًا شعبيًا فحسب، بل كان رفيق الدّرب والوجدان للمطرب العملاق وديع الصّافي، ذاك الذي تقاطع معه في المحبّة للأرض، وفي الحنين العميق، وفي التزام اللون الجبليّ الأصيل. جمعتهما صداقة نادرة، ووقفت الأصوات جنبًا إلى جنب، تحيي ليالي الوطن والمهجر، وتُطرب الجموع بكلمات تحمل الحنين، وبأصوات تتلو القصيد كما تتلو الجبال أناشيدها. لقد شكّلا معًا ثنائيّة غير مباشرة، حتى وإن لم يظهرا دومًا على المسرح ذاته، لأنّ كليهما كان وجهًا من وجوه المدرسة الجبليّة الأصيلة، ولكلٍّ منهما بصمته، ونبرته، ومجده.فنّ فطري لا يُدرّس: جميل أبو ديّة لم يكن بحاجة إلى أستوديوهات، أو إنتاج ضخم، أو تقنيات معقّدة. صوته وحده كان كفيلًا بأن ينسج من الميجانا طلسمًا عاطفيًا، ومن المعنّى حكاية وجد، ومن القصيد لوحةً من صور العشق والفخر والألم. كان يغني كما يتنفّس، ويطلق المواويل من قلبه لا من حنجرته، فكأن الصّوت يولد من الأعماق، ويصعد إلى الآذان كالنّدى على حوافّ الصّباح.ذاكرة زمن ذهبيّ: جميل أبو ديّة هو ابن الزّمن الذّهبيّ الذي احتضن فيه لبنان الطرب الأصيل، وغنّى فيه الجبل، والرّيف، والسّهل، وكلّ قرية لبنانيّة كانت تتزيّن بليالي الزّجل والمعنّى. هو من ذلك الجيل الذي لم يعرف التّصنّع، ولم يُربَّ على الأضواء، بل غنّى للنّاس ومن النّاس، فكان صداه باقٍ في وجدان من عايشوه، ومن سمعوا تسجيلاته، ومن تناقلوا صوته كإرث لا يُفنى.جميل أبو ديّة... أغنية لا تموت: ليس كثيرًا أن نقول إنّ جميل أبو ديّة مطربٌ لا يتكرّر، لأنه لم يكن مجرّد صوت، بل تجربة فنيّة وإنسانيّة عابرة للزّمن، نموذج للطرب الذي يعيش بعد رحيل العصر، ويبقى صامدًا في وجه النّسيان. هو اليوم رمزٌ من رموز الطرب البلدي اللبنانيّ، واسمٌ يليق بأن يُكرَّم ويُحفظ في الذّاكرة الثّقافيّة، لأنّ من لا يُكرّم أصواته، يخسر ذاكرته. جميل أبو ديّة... ظلّك أطول من العمر، وصوتك أبلغ من الكلام. ولروحك الطّاهرة فيض سلام...

جنوبيات
أخبار مماثلة
"شيرين أبو عاقلة... الشاهدة والشهيدة" كتاب هيثم زعيتر في الذكرى الأولى للاستشهادفاسكوomtوظيفة شاغرة في جمعبة المقاصد - صيداla salleقريبا "Favorite"