11 صفر 1447

الموافق

الثلاثاء 05-08-2025

علم و خبر 26

أخبار

علم و خبر 26

بأقلامهم

بأقلامهم

"العدل... ملح الأرض"!
"العدل... ملح الأرض"!
القاضي م جمال الحلو
2025-08-05

إذا كان الجورُ يُفسد النّفوس والمجتمعات، فإن العدلَ هو الميزان الذي تحفظ به الحياة اتزانها، وهو الملح الذي يحفظ الأرض من الفساد.
 وما من أمةٍ ارتقت، ولا حضارةٍ قامت، إلا وكان العدلُ في بنيانها ركنًا راسخًا، والقضاةُ فيها شموسًا تضيء دروب الإنصاف.

ليس القاضي مجرّد ناقلٍ للنّصوص، ولا آلةً تطبّق القوانين بجمود، بل هو روحٌ تفيض فهماً، وحكمةً تستنير بالبصيرة، وتجربةً تصقلها الأيام. وقد شهدت محاكمُ الدّنيا مواقف لا تُنسى، عكست رجاحة عقول بعض القضاة، ولطائف تصرفاتهم، التي جمعت بين صرامة القانون ورحابة الإنسانيّة.

كم من قاضٍ رفع الحرج عن متهم فقير بكلمة، وأبطل جرحًا بكلمة حق، وفتح باب الأمل لحياة جديدة بحكم عادل. ومن لطائفهم أن أحدهم، وقد رأى خصمين يتبادلان التّهم ويتقاذفان الشّتائم، سكت قليلًا، ثم قال:
 "إن كنتما تريدان منِّي أن أعدل بينكما، فتحلّيا بالهدوء، فالعدل لا يليق بالضّجيج." فتمّ ذلك، واستقام الحديث.

وقد يُروى عن قاضٍ حَكِم أنه لمّا رُفعت إليه قضية بين أرملة فقيرة وتاجر جشع، طلب إلى التّاجر أن يردّ المال من تلقاء نفسه، قبل أن يُلزمه بالحكم، وقال: 
"قد يحكم القانون بحق الأرملة، لكن الرّحمة لا تحتاج إلى إذنٍ من القوانين." فأثّر فيه القول، وردّ المال دون أن يُملى عليه.

العدل ليس دائمًا في منطوق الحكم فحسب، بل في طريقة إدارته أيضًا، وفي نبرة الصّوت، وفي اختيار اللحظة المناسبة للكلمة. 
ولذا، لا عجب أن وصف الرّسول صلّى الله عليه وسلّم القضاة العادلين بأنّهم "على منابر من نور" يوم القيامة، لما في عدلهم من نورٍ دنيويّ يسبق نور الآخرة.

لقد أصبح القاضي العادل اليوم أكثر حاجةً من أي وقت مضى، في زمن كثُر فيه الخصام، وتضخّمت فيه المصالح، وتاه فيه البسيط بين دهاليز القوانين المعقّدة. فكان لا بد أن يظل القاضي مرشدًا للعدل لا مجرد منفّذٍ لأحكام.

نعم، إن العدلَ ملحُ الأرض، وإذا فسد الملح، فبماذا نصلح ما فسد؟

جنوبيات
أخبار مماثلة
"شيرين أبو عاقلة... الشاهدة والشهيدة" كتاب هيثم زعيتر في الذكرى الأولى للاستشهادفاسكوomtوظيفة شاغرة في جمعبة المقاصد - صيداla salleقريبا "Favorite"