13 صفر 1447

الموافق

الخميس 07-08-2025

علم و خبر 26

أخبار

علم و خبر 26

لبنانيات

أخبار لبنانية

أحراج لبنان تحترق حطبًا للتجار
أحراج لبنان تحترق حطبًا للتجار
جنوبيات
2025-08-07

 

في كل صيف، تُستنزف غابات لبنان في صراعٍ غير متكافئ بين الطبيعة والنار، في غياب خطط حقيقية للردع والمحاسبة. فالحرائق باتت مشهداً متكرراً، مدمّراً للبيئة، ومقلقاً للناس. ومع تصاعد الدخان، تتصاعد الأسئلة: من يُحرق؟ لماذا؟ وأين الدولة؟

تشهد مناطق عدّة في لبنان حرائق متكررة تلتهم الأحراج والمساحات الخضراء، خصوصًا في فصل الصيف، وسط غياب الخطط الاستباقية الفعالة وضعف الإمكانات اللوجستية للدفاع المدني. وكان آخرها حريق ضخم في منطقة الشوف قضى على مئات الأشجار. وسبقه حريق في القبيات طال أحراج الشوح المعمرة. وتُعتبر هذه الحرائق تهديدًا خطرًا للتنوّع البيولوجي، كما تتسبّب بنزوح بعض السكان أحياناً، وتلوّث الهواء، وخسائر زراعية فادحة. ومع تغيّر المناخ والإهمال المزمن، باتت الحرائق تشكل أزمة بيئية متكرّرة تحتاج إلى تحرّك عاجل وجاد من جانب الجهات المعنية.

أشجار لا يمكن تعويضها

ولكن، بالنسبة إلى المهندس البيئي زياد أبي شاكر، الحديث عن عوامل طبيعية تؤدي إلى اندلاع هذه الحرائق لم يعد مقنعاً. ويقول لـ”المدن”: “الحرارة لا تشعل النار وحدها. ودلت التجارب إلى أن 90% من الحرائق في لبنان مفتعلة، والأهداف غالباً ربحية: بيع الحطب، أو تمهيد الأرض للبناء، أو حتى توسيع الأراضي الزراعية”.

ويضيف: “الحرائق تتكرر في المناطق عينها سنوياً. وهذا يؤكد أنها ممنهجة، وليست مجرد صدفة”، ويأسف لخسارة أحراج الشوح في حريق القبيات، لأن ما خسره لبنان من أشجار يحتاج إلى 400 سنة لاستعادتها وإعادة الأحراج إلى ما كانت عليه قبل الحريق.

ويحمّل أبي شاكر المسؤولية المباشرة عن تجدد الحرائق للقوانين اللبنانية غير الرادعة. ويقول: “حين لا تتم محاسبة، ويُسمح بعد الحريق بتغيير طبيعة الأرض، فالأمر يكون بمثابة دعوة مفتوحة إلى إشعال الحرائق. والمطلوب تعديل القوانين لتصبح أي أرض محروقة خاضعة للحماية التامة، مدة عشرين عاماً على الأقل، وإلزام المتورطين بإعادة زراعة أربع شجرات عن كل شجرة تُحرَق”.

ويحذر أبي شاكر من أن الحرائق لا تدمّر الأشجار فقط، بل تُدمّر بنية النظام البيئي بأكمله، لأن التربة تصبح عارية ومعرّضة للانجراف. وهذا يزيد خطر السيول في الشتاء. كما أن الرماد المتساقط يصل إلى مصادر المياه، ما يؤدي إلى تلوّثها ويؤثر على الصحة العامة. كما أن “الحريق ليس نهاية الغابة فحسب، بل بداية لانهيارات بيئية واجتماعية أكبر”.

الدفاع المدني يعمل باللحم الحي!

في الميدان، يُخاطر عناصر الدفاع المدني بحياتهم يومياً، وسط ضعف فادح في العتاد والتمويل. ويقول وليد حشاش، رئيس وحدة الخدمة والعمليات في المديرية العامة للدفاع المدني لـ”المدن”: “عدد العناصر غير كافٍ. بعض المناطق يعتمد على متطوعين فقط. أما المعدات، فغالباً قديمة وتعمل بالحد الأدنى. نُخمد النيران بوسائل بدائية أحياناً”.

ويضيف: “نواجه صعوبات ضخمة في المناطق الجبلية، حيث لا طرق تؤمّن وصولنا السريع. فنضطر إلى حمل الخراطيم والمعدات لمسافات طويلة سيراً على الأقدام”.

ويشرح أن الحريق لا يرحم، وأن الوقت عامل حاسم: “إذا لم نصل خلال الدقائق الأولى، يتحوّل الحريق إلى كارثة، خاصة في ظل الرياح ودرجات الحرارة المرتفعة”، مؤكداً ضرورة تحديث الجهاز: “نحن في حاجة إلى تعزيز الكادر، وشراء طائرات إطفاء، وتدريب مستمر للعناصر، وإلا فستبقى الحرائق تتكرّر وتتمدّد”.

خطة وطنية لوزارة البيئة

تتكامل الكارثة بين حرائق تُفتعل، وتشريعات لا تردع، وأجهزة تُخمد بما تيسّر. وفي النتيجة، يخسر لبنان كل عام مئات الهكتارات من أحراجه التي تحتاج إلى عقود كي تتعافى. وإذا لم تتغيّر السياسات وتستكمل استعدادات الأجهزة المعنية، وتطبق القوانين بحزم، ستبقى الغابات عرضة للحرائق. وفي هذا الإطار، يؤكد مكتب وزيرة البيئة تمار الزين لـ”المدن” أن الوزارة وضعت “الخطة الوطنية للحد من حرائق الغابات” بالشراكة مع اليونيسف وعدد من الجهات المانحة والبلديات، وهي ترتكز على ثلاث مراحل أساسية هي الوقاية والاستجابة والتعافي.

ويشرح المكتب الإعلامي أن عامل الوقاية يشمل العمل مع البلديات لتحديد المناطق الأكثر عرضة للحرائق، وإنشاء خطوط نار (firebreaks)، وتنظيم حملات توعية في القرى والمجتمعات المحلية. وقد جهّزت الوزارة دليلاً شاملاً للوقاية، وعمّمته على البلديات، لكن “نسبة الالتزام تبقى متدنية، بسبب ضعف الموارد والقدرات المحلية”.

وبما يتعلق بالاستجابة فهي تقوم على التنسيق بين الدفاع المدني والجيش اللبناني. وهناك “خريطة تفاعلية تُحدَّث يومياً لرصد النقاط الساخنة، بالتعاون مع وحدة إدارة مخاطر الكوارث في رئاسة الحكومة”، لكن ضعف الإمكانيات الميدانية يبقى عائقاً أساسياً.

أما التعافي فيشمل إعادة تشجير المناطق المحروقة، ودعم مشاريع تنموية تحمي الغابات من التحوّل إلى أراضٍ استثمارية. لكن الوزارة تعترف أن هذا المحور هو “الأضعف” بسبب شحّ التمويل، و”غياب الإرادة السياسية لدى الكثير من المعنيين”.

ويسلط المكتب الإعلامي للوزيرة الزين الضوء على “فراغ تشريعي خطير” في ما يخص حماية الأحراج. فـ”قانون الغابات قديم وغير رادع، ولا يمنع استغلال الأرض بعد احتراقها في كثير من الحالات، خصوصاً إذا لم تكن مصنّفة كأحراج رسمية. وهذا يفتح باباً واسعاً أمام الحرق المتعمّد بقصد تغيير استعمال الأرض”.

وتكشف الوزارة أن “التحقيقات القضائية في حرائق الأعوام الماضية غالباً ما تنتهي من دون توجيه أي اتهام، بسبب صعوبة الإثبات وغياب أدوات التحقيق المتخصصة”. وبلغة أوضح: “الجناة يعرفون أنهم لن يُحاسبوا، ولهذا يستمر الحريق”.

وبما يتعلق بحرّاس الأحراج، الذين يستطيعون التخفيف من افتعال الحرائق، يؤكد المكتب الإعلامي أنه وفق الأرقام الرسمية، يغطّي 200 حارس الأراضي اللبنانية كافة، فيما المطلوب تعيين ما لا يقل عن 1000 حارس. بل إن العديد من المناطق الجبلية لا يدخلها أي رقيب بيئي طوال العام. لكن “لا يمكن تحميل الوزارة وحدها المسؤولية. فهذه أزمة وطنية تحتاج إلى قرار سياسي وتنفيذ قضائي صارم، وموازنات جدية، قبل أن يتحوّل لبنان بلداً بلا غابات”، كما أكد المكتب.
 

المدن

أخبار مماثلة
"شيرين أبو عاقلة... الشاهدة والشهيدة" كتاب هيثم زعيتر في الذكرى الأولى للاستشهادفاسكوomtla salleقريبا "Favorite"