توالت الإعلانات عن النية للاعتراف بالدولة الفلسطينية على هامش الجمعية العامة المزمع عقدها في نيويورك في سبتمبر/أيلول القادم، وعلى الرغم من الأهمية السياسية والقانونية والدبلوماسية لهذه الاعترافات، إلّا أنها تحمل في طياتها دلالات إنسانية وأخلاقية هامة، لا يجب الاستهانة بها، فهي خطوة على طريق تجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة التي طال انتظارها على الأرض.
صحيح أنّ اعتراف الدول الغربية بالدولة الفلسطينية هو إجراء دبلوماسي في ظاهره، ولكنه بذات الوقت، إقرار بأنّ للفلسطينيين الحق بأن يكون لهم دولة، وحقوق سياسية معرفة ومعترف بها، كباقي الشعوب، لهم الحق بالسيادة على أرضهم وبتقرير مصيرهم.
لقد عمل الاحتلال جهده على مدى السنوات الطويلة الماضية على تصوير القضية الفلسطينية على أنها قضية إنسانية بحتة، وليست قضية حقوق، وما يحصل في غزة الآن هو أكبر دليل على ذلك، فقد سعى ونجح الى حد ما، بتقديم الشعب الفلسطيني للعالم بأنه شعب يحتاج الغذاء والماء والعلاج والدواء وحليب الأطفال، ويحتاج كل أنواع المساعدات الممكنة، وحاول اختزال القضية الفلسطينية بفتح المعابر ودخول المساعدات ووصولها الى الناس، ولكن جاء الاعتراف بالدولة الفلسطينية ليتنبه العالم بأنّ القضية قضية تحرّر وطني، لشعب له حقوق تاريخية، لا بد من الاعتراف بها، لتعيش المنطقة والعالم بأمن وسلام.
على الرغم من أهمية موجة الاعترافات وزخمها النوعي، إلّا أنه، وبغض النظر عن عدّد الدول التي تتبناه، لا يُقيم دولة على الأرض، ولا يُوقف القصف، ولا يُعيد المهجرين، ولا يُنهي الاحتلال.
فالدولة الفلسطينية المنشودة، ليست مجرد علم يتم رفعه، أو سفارة تُفتح، بل هي كيان حر على أرض فلسطين وفق قرارات الشرعية الدولية، بحيث يملك هذا الكيان قراره، ويُمارس على أرضه سيادته، دون وصاية أو تجزئة.
الاعتراف بالدولة الفلسطينية ليس نهاية المطاف، بل يجب أن يكون بداية لمسار سياسي جديد، يُعيد الاعتبار للعدالة، ويُمهّد لتفكيك منظومة الاحتلال التي ينشأ عنها تلقائياً الحرية والاستقلال والسيادة.
ومع ذلك، يجب عدم الاستهانة بالقوة الرمزية التي يحملها الاعتراف بالدولة الفلسطينية، حيث يُعزّز الموقف الفلسطيني في المحافل الدولية، ويُعيد تشكيل الرأي العام العالمي، ويضع الدول غير المعترفة والمترددّة، في خانة الحرج أمام شعوبها والمجتمع الدولي.
وأخيراً، لن يكون هذا الاعتراف فاعلاً، إلّا باتخاذ إجراءات تُلزم إسرائيل بوقف الاستيطان، ووقف انتهاكاتها للمقدسات، وبفرض عقوبات على من يُمعن بقتل المدنيين، ليتحول إلى دعم حقيقي يُترجم إلى حماية للبشر والحجر والشجر والمكان.
فلسطين تحتاج لاعتراف يُحرّك الفعل، ولدول معترفة تُقاتل من أجل إحقاق الحق، وهو خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنه لن يكون كافياً ما لم يُرافقه خطوات تنفيذية وإجراءات وآليات لتطبيقه على أرض الواقع، وإرادة دولية تُعيد للحق وزنه، وللعدالة معناها.