تشهد المنطقة هذه الأيام تصعيداً متشابكاً، تتداخل فيه الملفات الفلسطينية والإيرانية في ظل بيئة إقليمية ودولية شديدة التوتر.
فبينما يواصل الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على قطاع غزة، ويفرض وقائع جديدة في القدس، تمضي واشنطن وتل أبيب في الضغط على طهران عبر مسارين متوازيين: الضربات العسكرية التي نُفذت قبل نحو شهرين، وحملة العقوبات الاقتصادية الخانقة الجارية حالياً.
والأقصى وغزة في عين العاصفة: من الخطاب المتطرف إلى التهديد العملي
في القدس المحتلة، قاد وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير مسيرة استفزازية في باحات المسجد الأقصى، مجدداً دعوته لاحتلال كامل قطاع غزة وفرض السيادة الإسرائيلية عليه، مع ما وصفه بـ"تشجيع الهجرة الطوعية".
هذه التصريحات، في ظل استمرار القصف على قطاع غزة، تكشف نوايا مبيّتة لإعادة رسم خريطة القطاع ديموغرافياً وجغرافياً، مستفيدة من حالة الانشغال الدولي بالأزمات الإقليمية الأخر.
على صعيد آخر، بثت حركتا حماس والجهاد الإسلامي مقاطع لرهينتين (أحدهما إسرائيلي والآخر ألماني -إسرائيلي) في حالة هزيلة داخل غزة، ما أثار رد فعل غاضب من نتنياهو الذي اتهم حماس بتجويع رهائنها وسكان القطاع معاً.
لكن المشهد ألقى الضوء أيضاً على المأساة الإنسانية الأوسع، حيث يقترن حصار الرهائن بحصار وتجويع شعب بأكمله في قطاع غزة.
اما الجبهة الإيرانية فهي تئن تحت وطأة من الخنق الاقتصادي، ومن الضربات التي نفذتها إسرائيل، بضوء أخضر أميركي ومشاركة اميركية علنية، قبل نحو شهرين، استهدفت منشآت نووية ومواقع عسكرية داخل العمق الإيراني، أبرزها نطنز وأصفهان وفوردو.
ومنذ ذلك الحين، انتقلت واشنطن إلى مرحلة الضغط الاقتصادي المكثف، عبر وزارة الخزانة التي تقود حملة واسعة لتعقب شبكات تهريب النفط الإيراني وقطع قنوات تمويله بالعملة الصعبة، بدعم من بريطانيا وفرنسا وألمانيا.
يتركز النفوذ الإيراني الإقليمي اليوم في العراق واليمن، بعد انحساره الكامل في سوريا بسقوط نظام بشار الأسد، وفرض القيود على حزب الله في لبنان، ما جعل طهران تبحث عن بدائل لتعويض فقدان هذه الساحات الاستراتيجية.
خلال الأسابيع الأخيرة، برزت مؤشرات مواجهة غير مباشرة بين واشنطن وطهران في العراق واليمن، حيث صعّدت الفصائل المدعومة إيرانياً من نشاطها. وفي البحر الأحمر، عادت التهديدات للملاحة الدولية، بينما تسرّع طهران برامجها الصاروخية لتعويض الضربة التي لحقت بقدراتها النووية.
وقد بات هناك ارتباط وثيق بين الملفات، الملف الفلسطيني، رغم خصوصيته، بات جزءاً من معادلة الضغط الإقليمي، إسرائيل ترى أن تصعيدها في غزة والقدس يمكن أن يمر بلا تكلفة سياسية كبيرة في ظل انشغال القوى الكبرى بالملف الإيراني وأزمات الطاقة العالمية.
أما طهران، فقد تستخدم ورقة قطاع غزة للتأثير في حسابات تل أبيب وواشنطن، لكن دون الانجرار إلى مواجهة مباشرة قد تستنزفها.
خلاصة القول: بات المشهد الحالي يعكس لعبة شد حبال معقدة:
إسرائيل تمضي في فرض سياسات أمر واقع في القدس و قطاع غزة.
واشنطن تكثّف العقوبات الاقتصادية على إيران، مستهدفة شريانها النفطي، مع إبقاء خيار المفاوضات قائماً.
طهران تحاول الالتفاف على الخسائر عبر تصعيد نفوذها الإقليمي واستثمار ساحات الصراع المفتوحة.
وفي قلب هذه المعادلة، تبقى غزة الضحية الأكبر، بين مطرقة العدوان الإسرائيلي وسندان التوظيف الإقليمي للصراع، في غياب أي إرادة دولية فاعلة لوقف هذه الكارثة الإنسانية أو فرض حل عادل.