كتب الكاتب الإعلامي الإسرائيلي جدعون ليفي مقالا في صحيفة "هآرتس" قبل يومين، يعتبر ان الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية بمثابة مكافأة لإسرائيل، كان ينبغي على إسرائيل أن تشكر كل دولة تعترف بها، إذا إن هذا الاعتراف جاء كبديل مخادع للخطوة الحقيقة التي كان لا بد من اتخاذها الآن – العقوبات، فالاعتراف مجرد بديل شكلي للمقاطعات والعقوبات التي يجب أن تفرض على دولة ترتكب إبادة جماعية.
وعلى أهمية خلفية الكاتب الإسرائيلي التقدمي الإيجابية، الا انه وقع في خطأ فادح عندما وضع مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية كنقيض لفرض العقوبات، والحقيقة لا يوجد أي تناقض بين المسألتين، لا بل تتكاملان، ولكل منها أهميتها وضرورتها بالنسبة للدولة الفلسطينية، حيث كانت مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل دولة الاستعمار الإسرائيلي قبل التوقيع على اتفاقية أوسلو في 13 أيلول/سبتمبر 1993 أحد الأخطاء الكبيرة التي وقع فيها الوفد الفلسطيني المفاوض انذاك، وما كان له ان يكتفي بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني، بل كان يجب الإصرار على الاعتراف بالشعب والدولة الفلسطينية، فضلا عن الأخطاء الأخرى التي طالت الملفات الست الأساسية: الاستيطان الاستعماري، واللاجئين، والحدود، والأمن، والقدس العاصمة، وأسرى الحرية، التي تركت للتفاوض بعد انتهاء المرحلة الانتقالية، التي لم تنتهِ حتى الان، رغم مرور أكثر من 30 عاما.
أضف الى ذلك، أن مسألة اعتراف دول العالم بالدولة الفلسطينية يشكل رافعة للدولة والشعب الفلسطيني على طريق انتزاع الاستقلال الوطني، ويعزز مكانتها الدولية، ويسهم في رفع تمثيلها في هيئة الأمم المتحدة الى دولة كاملة العضوية، وبالمقابل تساهم في عزلة دولة الإبادة الجماعية الإسرائيلية، وتضييق الخناق عليها، والزام الدول وخاصة الدول الأوروبية المركزية التي لعبت دورا أساسيا في نكبة الشعب العربي الفلسطيني بتحمل مسؤولياتها تجاه منحه حقوقه السياسية والقانونية، وتطبيق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة باستقلال فلسطين. لا سيما وان دولة إسرائيل اللقيطة معترف بها، وقائمة منذ عام النكبة الأولى والكبرى عام 1948.
كما ان محاولة التفاف الدول الأوروبية وخاصة بريطانيا وفرنسا وكندا وأستراليا وغيرها من الدول على مطالبات شعوبها بفرض عقوبات على دولة الإبادة الجماعية الإسرائيلية لن تنجح، إذا كان الاعتراف بالدولة الفلسطينية يهدف الى تضليل شعوبها المتضامنة مع الشعب الفلسطيني، التي أدركت من خلال وحشية الإبادة الجماعية الإسرائيلية الأميركية، انها تستدعي أولا وثانيا ... وعاشرا الاعتراف بالدولة الفلسطينية والحقوق السياسية والقانونية، بالتلازم مع فرض عقوبات، بدليل مثلا أن سلوفينيا فرضت بعض العقوبات، واسبانيا والنرويج وحتى المانيا وغيرها من الدول فرضت بعض العقوبات الجزئية على إسرائيل الابادوية، وبالتالي الاعتراف يعتبر مكسبا وضرورة وطنية فلسطينية، وتشكل رصيد هام لكفاح الشعب الفلسطيني، وفيه ضمنا اعتذار عن خطايا التاريخ، وخاصة وعد بلفور المشؤوم، الذي أعلنته حكومة المملكة المتحدة البريطانية في الثاني من تشرين ثاني/نوفمبر 1917، ومن استمع لكلمة وزير خارجية إنكلترا في مؤتمر نيويورك 28 و29 تموز / يوليو الماضي، يدرك ان حكومة حزب العمال بزعامة كير ستارمر اعتذرت ضمنا عن جريمتها التاريخية بحق الشعب الفلسطيني، مع ان هناك حاجة ماسة لاعتذار رسمي من قبل بريطانيا للشعب والقيادة الفلسطينية عما أصاب الشعب على مدار عقود الصراع الطويلة، والتعويض عما آلت اليه الامور.
فضلا عن أن، اعتراف الدول الأوروبية والغربية المركزية من الانكلوسكسونيين والفرانكوفونيين يحمل بشكل جلي مؤشر نحو ارتقاء تلك الدول نسبيا، وتحت ضغط شوارعها وتضامن شعوبها العظيمة، بأن هناك ضرورة لإنصاف الشعب الفلسطيني، ومنحه حقوقه التي صمتوا عليها ما يزيد على 75 عاما، وبالتالي ارتقاء المنظومة الدولية وخاصة دول المركز الغربي الى مستوى المسؤولية، ورفع الغبن التاريخي عن الشعب الفلسطيني صاحب الأرض والتاريخ والموروث الحضاري والثقافي في ارض وطنه الام فلسطين التاريخية. سيسهم شاء من شاء وابى من ابى الى إلزام إسرائيل النازية عما قريب بدفع استحقاقات التسوية السياسية، والاقرار باستقلال دولة فلسطين المحتلة على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وكل التحية للشعوب في أوروبا ودول الغرب بما في ذلك الشعب الأميركي، الذي يعيش تحولا جديا في دعم القضية والشعب الفلسطيني، وهناك انزياحات هامة، رغم إجراءات وانتهاكات الإدارات الأميركية السابقة والحالية ضد أنصار السلام الداعمين للشعب الفلسطيني، والرافضين وحشية وهمجية دولة الإبادة الجماعية الإسرائيلية ومن خلفها الإدارات الأميركية المتورطة مباشرة في قيادة الكارثية الأعظم ضد أبناء الشعب الفلسطيني عموما وفي قطاع غزة خصوصا.