إن تصحيح الموقف الدولي والوقوف على الجانب الصحيح من التاريخ يقتضي الاعتراف بدولة فلسطين والعمل على فرض سيادتها وإنهاء احتلالها...
يمثل الاعتراف الدولي بدولة فلسطين وفرض سيادتها على أرضها استحقاقًا قانونيًا وأخلاقيًا مؤجلًا منذ صدور قرار الأمم المتحدة 181 لعام 1947 وقرار 67/19 لعام 2012، اللذين أرسيا الأساس القانوني لقيام الدولة الفلسطينية، ومع اقتراب عقد مؤتمر دولي مرتقب في سبتمبر القادم، تتزايد الدعوات لتصحيح الموقف الدولي والوقوف على الجانب الصحيح من التاريخ، عبر إنهاء الاحتلال الإسرائيلي والتعامل مع فلسطين كدولة تحت الاحتلال، وهو ما يستدعي إعلانًا رسميًا من منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية بهذا الشأن، وتجاوز اتفاق أوسلو الذي فقد مبرراته الموضوعية والزمنية.
الإرث القانوني المؤسس لدولة فلسطين:
إن الاعتراف بدولة فلسطين اليوم ليس منّة أو مبادرة سياسية عابرة، بل هو استحقاق قانوني مؤسس منذ أكثر من سبعة عقود. فقد نص قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 لسنة 1947 (قرار التقسيم) على إقامة دولتين في فلسطين، إحداهما عربية فلسطينية والأخرى يهودية، مع وضع القدس تحت نظام دولي خاص، ورغم تنفيذ الشق الخاص بإسرائيل فور إعلانها عام 1948، ظل الشق المتعلق بالدولة الفلسطينية معطلاً بفعل الاحتلال والعدوان المستمر.
وبعد عقود من الصراع، جاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 67/19 لسنة 2012 في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2012 ليمنح فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو، ويؤكد على:
حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته على حدود الرابع من حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة.
إيجاد حل عادل لقضية اللاجئين وفق القرار 194 (1948).
هذه القرارات تشكل مجتمعة إطارًا قانونيًا وسياسيًا دوليًا ملزمًا يضع على عاتق المجتمع الدولي واجب التحرك لإنهاء الاحتلال وفرض السيادة الفلسطينية.
التحولات الدولية الراهنة:
اليوم، تتوالى الاعترافات الدولية بفلسطين، حيث أعلنت أستراليا وكندا والمملكة المتحدة وفرنسا نيتها الاعتراف بها في مؤتمر سبتمبر القادم، فيما تدرس نيوزيلندا اتخاذ خطوة مماثلة، رغم الجدل البرلماني الحاد الذي وصل إلى حد طرد نائبة انتقدت تردد حكومتها.
هذه التطورات تمثل فرصة استراتيجية لإحداث كتلة حرجة من الاعترافات الدولية قادرة على إعادة تشكيل ميزان المواقف داخل الأمم المتحدة وخارجها.
فلسطين: دولة تحت الاحتلال
لقد تحولت فلسطين، بقرارات الأمم المتحدة، إلى دولة معترف بها قانونياً، لكنها تحت الاحتلال الإسرائيلي، هذا الواقع الشاذ لا يجوز استمراره، إذ أن وجود الاحتلال يتناقض مع أبسط مبادئ القانون الدولي، وينتهك الميثاق الأممي الذي يحظر الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة.
من الاعتراف إلى فرض السيادة
التحدي الآن لا يقتصر على الاعتراف السياسي، بل يتطلب آليات عملية لفرض السيادة الفلسطينية، منها:
1. دعم فلسطين في الانضمام إلى جميع المعاهدات والمنظمات الدولية.
2. فرض عقوبات دولية على الاحتلال لوقف الاستيطان وجرائم الحرب.
3. توفير حماية دولية للشعب الفلسطيني.
4. تفعيل قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، خاصة القرارين 242 و338.
ختاماً:
إن تصحيح الموقف الدولي تجاه فلسطين اليوم هو تصحيح لمسار التاريخ ذاته، وإعادة اعتبار للقانون الدولي الذي تآكل تحت وطأة ازدواجية المعايير، لقد طال الانتظار منذ القرار 181 لعام 1947 وحتى القرار 67/19 لعام 2012، وما بينهما سبعة عقود من الحرمان والاحتلال والمعاناة.
آن الأوان أن يتحول الاعتراف بفلسطين من نصوص على ورق إلى واقع سيادي على الأرض، وأن يقف العالم بلا استثناء على الجانب الصحيح من التاريخ.
وفي هذا السياق، أصبح من الضروري أن تعلن السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وبشكل رسمي، أن فلسطين أصبحت دولة تحت الاحتلال، وأن اتفاق أوسلو المنظم للعلاقة الفلسطينية - الإسرائيلية قد تم تجاوزه موضوعياً وزمانياً وجغرافياً، وأن السلطة الفلسطينية باتت تمثل دولة فلسطين تحت الاحتلال، الأمر الذي يستدعي من المجتمع الدولي التعاطي مع هذا الواقع الجديد بجدية ومسؤولية قانونية ترتب عليها إتخاذ كافة الإجراءات المناسبة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة، وتمكين دولة فلسطين المعترف بها من بسط سيادتها على اراضيها.