لم يفاجأ أحدا بنيامين نتنياهو في مقابلته مع قناة "أي 24" أول أمس الثلاثاء 12 آب/ أغسطس الحالي، والتي اعادت نشرها صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أمس الأربعاء، التي أعلن فيها إنه يشعر، بأنه في "مهمة تاريخية وروحية"، وأنه "مرتبط بشدة برؤية إسرائيل الكبرى." وهو يقصد خارطة إسرائيل الكبرى "من النيل الى الفرات" التي عرضها في الدورة السابقة ال(79) للجمعية العامة للأمم المتحدة في 26 أيلول / سبتمبر 2024، وتضم فلسطين التاريخية والأردن وسوريا ولبنان ومصر وجزء من العربية السعودية والعراق، وكان بتسليئيل سموتريش، وزير المالية عرضها في باريس في أيار / مايو 2023، تلك الخارطة التي تعود جذورها الى الشعار الصهيوني الأساسي والناظم للمشروع الاستعماري، ونُقشت على العملة (النقود) الإسرائيلية، ووفق موقع الصحيفة العبري، تم استخدام مفهوم "إسرائيل الكبرى" بعد هزيمة حزيران / يونيو 1967، التي فتحت شهية قادة إسرائيل آنذاك لتحقيق الهدف الاستراتيجي المرتبط بالأساطير اللاهوتية.
وفي ضوء التطورات العاصفة بدول الإقليم الشرق اوسطي عربيا واسلاميا، وخاصة ما تحقق على جبهات لبنان وسوريا وإيران، فضلا عن مواصلة الإبادة الجماعية ضد الشعب العربي الفلسطيني عموما وفي قطاع غزة خصوصا على مدار 678 يوما بدعم ومشاركة وقيادة الإدارات الأميركية السابقة والحالية، دون تمكن العرب والاقطاب الدولية والهيئات الأممية من وقفها حتى اللحظة التي اكتب فيها هذا المقال، كل ذلك زاد من غطرسة وغرور وصلف حكومة الائتلاف النازي الإسرائيلي، وضاعف من جنون وانفلات العقل السياسي اللاهوتي الإسرائيلي ممثل بما يطمح له ملك الإبادة نتنياهو، الذي لم تعد الأرض تحمله، وسكنته لوثة الاعتقاد بأنه "النبي الملك الجديد" المكلف ببناء "إسرائيل الكبرى"، والذي عكسه في الإجابة على سؤال، عما إذا كان يشعر بأنه "في مهمة نيابة عن الشعب اليهودي"، أجاب بأنه "في مهمة أجيال." وأضاف "لذلك إذا كنت تسألني عما إذا كان لدي شعور بالمهمة تاريخيا وروحيا، فالجواب هو نعم."
وهذا الهاجس والتقمص المتلبس الملك الإسرائيلي يعكس جنون العظمة، ورفض الاصغاء لصوت غالبية المجتمع الإسرائيلي المنادي بوقف الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، وابرام صفقة شاملة للإفراج عن الاسرى الإسرائيليين والفلسطينيين، ووقف الحرب لحماية إسرائيل من التفكك والتمزق أكثر فأكثر. لا سيما وان التقديرات لدى القادة والخبراء العسكريين والامنيين الإسرائيليين الحاليين والسابقين، والقادة السياسيين من داخل الموالاة ومن المعارضة، بأن خطة احتلال قطاع غزة التي اقرها الكابينيت فجر الجمعة الماضي 8 آب / أغسطس الحالي ستؤدي لمزيد من الانقسام والقلق على مستقبل دولة إسرائيل اللقيطة.
وهذا ما اشارت له صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلي في افتتاحيتها يوم الاثنين 11 أغسطس، التي رأت أن هناك تطورات لافتة تؤكد الانقسامات الايديولوجية والقلق العام في إسرائيل. وأشارت الى ان احتلال مدينة غزة، أثارت احتجاجات متزايدة، لأنها ستكون حملة طويلة الأمد، وتعني عدم إحراز تقدم على جبهة الرهائن، لذا دعت اسر الرهائن الإسرائيليين الى الاضراب العام يوم الاحد القادم 17 أغسطس الحالي، لأنها تخشى من موت الرهائن. ولأن الخطة لا تلبي طموحات واهداف أعضاء الائتلاف من الصهيونية الدينية، التي عبر عنها سموتريش، ولا تملك الشرعية اللازمة، حيث لا تراها النخب السياسية ولا عامة المجتمع انعكاسا ل"ارادة إسرائيل"، وتعمق التشرذم في المجتمع، وتضاعف من الضغط الدولي على إسرائيل، وخلصت الافتتاحية الى ان إسرائيل تقف الان أمام مفترق طرق، ارهاق من الحرب يسيطر على الشارع، واحتجاجات واسعة متضامنة مع اسر الرهائن، وخشية متزايدة من الخسائر البشرية في غزة، وتداعياتها على الرأي العام الشعبي والرسمي العالمي.
باختصار شديد، الاساطير اللاهوتية، وجنون العظمة، والطموح السياسي الاستعماري بتحقيق حلم "إسرائيل الكبرى" المتلبس نتنياهو الملك الأخير لدولة إسرائيل، ستؤدي لمزيد من التناقضات والشرخ الواسع في الأوساط الإسرائيلية، مع مضاعفة الازمات السياسية والديبلوماسية والاقتصادية والثقافية والدينية والسيكولوجية، سيكون لها ارتدادات كبيرة على الواقع الإسرائيلي، وتهدد مستقبلها في المستقبل غير البعيد. لأن هناك مخاضات قد لا ترى بالعين المجردة الان، ولكنها قد تنفجر في كل لحظة ستترك اثارا غير حميدة على الملك والمملكة الثالثة، حتى لو أوغلت أكثر فأكثر في الدم الفلسطيني والعربي، فأساطير الملك اللاهوتية والتاريخية الى زوال.
oalghoul@gmail.com
a.a.alrhman@gmail.com