بين حقائق التاريخ والميثالوجيا والاساطير اللاهوتية بون شاسع، ولا يوجد بينهما أي قاسم مشترك، لا بل أن المسألتين متناقضتان، كل منها ينفي ويلغي الأخرى. لأن الاساطير والخزعبلات اللاهوتية جرى ادماجها في الكتب الدينية مما نزع عنها قدسيتها، وجرى إدخال اسقاطات ذاتوية عليها من قبل أولئك الذين عبثوا بها وفق اهوائهم في حقب التاريخ القديمة، مما أفقدها أهميتها ورصانتها، وأضعف اسانيدها وشوه تعاليمها، ووضعها محل علامة سؤال عن مدى مصداقيتها، والمقصود هنا الكتب الدينية اليهودية: التوراة والتناخ والتلمود، ورغم التشوه الذي أصابها على مدار الحقب التاريخية، الا أنها زادت تشوها مع اغتصاب الحركة الصهيونية للديانة اليهودية، بالإضافة لبرتوكولات صهيون التي خلطت بين الديني والسياسي لتعويم المشروع الكولونيالي الصهيوني باعتباره "امتدادا" طبيعيا للكتب الدينية المشوهة أصلا، والحقيقة ليست كذلك، فهناك تناقض عميق بين كتب اللاهوت وبين الحركة الصهيونية ومشروعها الاستعماري، الامر الذي فاقم من عوامل التآكل في المرجعيات الدينية والبسها ثوب الاساطير والخزعبلات، التي ترفضها قطاعات واسعة من اتباع الديانة اليهودية مثل جماعة "ناطوري كارتا" وغيرها من المذاهب اليهودية.
اما حقائق التاريخ فهي تستند الى شواهد ووثائق وسيرورة حركة التاريخ، التي تدعمها وتعززها حضارة وثقافة الشعوب وصيرورة تطورها في الحقب التاريخية المتعاقبة، وكذا كتابات المؤرخين المحليين والاقليميين والعالميين، الذين رصدوا بنتاجاتهم التاريخية والانثروبولوجية والسياسية والاقتصادية الحقائق المعمدة بالوقائع لتاريخ الشعوب والدول، حتى لو ظهر فيما بين تلك الكتابات بعض التباين والاختلاف، لكنها اجمالا لا تتناقض في الجوهر، الا إذا كانت كتابات ذات خلفيات متواطئة ومدفوعة الاجر لقلب حقائق التاريخ، كما تفعل الحركة الصهيونية وكتابها. بالنتيجة هناك تناقض تناحري وحاد بين الميثالوجيا والاساطير وحقائق التاريخ.
الهدف من هذه المقدمة السريعة هو تبيان الفوارق بين المسألتين للرد على خزعبلات واساطير القيادات الصهيونية الإسرائيلية الاستعمارية، وتكريس حقائق التاريخ كأساس ناظم لمحاكاة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أو بالأحرى الصراع العربي الصهيوني، لأن المشروع الصهيوني لا يقتصر على فلسطين الأرض والشعب والتاريخ، وانما له عميق الصلة بالوطن العربي عموما والشرق العربي خصوصا، وما طرحه بنيامين نتنياهو وأركان ائتلافه من بتسلئيل سموتريش وإيتمار بن غفير وجدعون ساعر وباقي الجوقة الحاكمة لخارطة "إسرائيل الكبرى" الا تأكيد لطبيعة الصراع الاشمل والاوسع من حدود الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وإن كان يعتبر مركز ومحور رحى الصراع، وإن كان أهل النظام الرسمي العربي اعتقدوا، ومازالوا يعتقدون أن حصر الصراع بين الشعب الفلسطيني وإسرائيل يعفيهم من تداعيات المشروع الصهيوني الكولونيالي، الا ان ما ذكره رئيس وزراء إسرائيل الحالي، ومن سبقه من قيادات صهيونية ممن مهدوا وروجوا لبضاعتهم الفاسدة والمتناقضة مع وقائع التاريخ، أي إقامة دولة إسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات، أعاد طبيعة الصراع الى جذوره ومدياته الاوسع، وهو ما يستوجب من الحكام العرب وما تبقى من حركة التحرر العربية (إن بقي منها قوى) التنبه للأخطار التي تستهدفهم، وتستهدف شعوب ودول الامة العربية جميعها من المحيط الى الخليج. لا سيما وأن صاحب المشروع الصهيوني الاستعماري، ليسوا اليهود الصهاينة، انما هي دول الغرب الرأسمالي وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وغيرها من الدول الغربية الشريكة الأساسية في إدامة دولة إسرائيل اللقيطة لتحقيق أهدافهم الاستراتيجية في تمزيق الوطن العربي، ونهب ثروات الدول والشعوب العربية، وابقاءهم في دائرة المحوطة والتبعية لدول المركز الرأسمالي، والحؤول دون وحدتهم، واستغلال موقعهم الاستراتيجي في الصراع مع الأقطاب الدولية المنافسة لها على قيادة المنظومة العالمية.
لآن الدول الغربية مجتمعة ومنفردة تخشى من وحدة ونهوض الامة العربية، وهذا ما نبهت له مخرجات مؤتمر كامبل نبرمان 1905 / 1907، التي اشارت بشكل جلي، أن وحدة العرب الذين يتحدثون لغة واحدة، ولهم ثقافة وتاريخ واحد، ويقيمون في منطقة جغرافية واحدة، يهدد مصالح الغرب التاريخية والحيوية، وبالتالي لا بد من تمزيق وحدتهم، وإيجاد شعب غريب في المنطقة لتفتيتهم. فضلا عن انهم مازالوا مسكونين بتصفية حسابات التاريخ القديم، أي تبعات وتداعيات الحروب الصليبية، ولهذا قادت الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها من دول الغرب الامبريالية الإبادة الجماعية على الشعب العربي الفلسطيني في عموم فلسطين وقطاع غزة تحديا، الممتدة على مدار 680 يوما حتى الان، وتقف حجر عثرة أمام استقلال وحرية الشعب الفلسطيني، وتقود اداتها الوظيفية إسرائيل لإدامة الإبادة الكارثية والافظع في التاريخ المعاصر. وللحديث بقية غدا ..
oalghoul@gmail.com
a.a.alrhmman@gmail.com