27 صفر 1447

الموافق

الخميس 21-08-2025

علم و خبر 26

أخبار

علم و خبر 26

بأقلامهم

بأقلامهم

"لَا تَمْتَحِنْ مَنْ هُوَ أَفْهَمُ مِنْكَ"!
"لَا تَمْتَحِنْ مَنْ هُوَ أَفْهَمُ مِنْكَ"!
القاضي م جمال الحلو
2025-08-21

رحم الله والدي وجعل مثواه الفردوس الأعلى من الجنّة فقد كان يردّد هذه المقولة الرّائعة:

"التواضعُ عِلمٌ، والكِبرُ جهلٌ مُتنكِّر"
 
في زَحْمَةِ كَلَامِنَا اليَوْمِيِّ، وَغَلَبَةِ آرَائِنَا عَلَى أَلْسِنَتِنَا، كَثِيرًا مَا نَجِدُ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ يَمْلِكُ مَفَاتِيحَ العَقْلِ وَحْدَهُ، وَأَنَّهُ أَعْلَى وَأَسْمَى فِي فَهْمِ الأُمُورِ مِنْ كُلِّ مَنْ حَوْلَهُ. وَهَذَا التَّصَوُّرُ الَّذِي يَعْتَرِي النُّفُوسَ يَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهِ خَطَرًا كَبِيرًا عَلَى الفِكْرِ وَالحِوَارِ، إِذْ قَدْ يُغْلِقُ آفَاقَ التَّعَلُّمِ وَيُعْمِي العُيُونَ عَن رُؤْيَةِ مَا وَرَاءَ الأُفُقِ.
 
وَإِنَّ مِنْ أَخْبَثِ العِلَلِ الَّتِي تُصِيبُ النَّفْسَ، أَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهَا وَهْمُ التَّفَوُّقِ العَقْلِيِّ عَلَى النَّاسِ، فَيَرَى صَاحِبُهَا أَنَّهُ أَمْهَرُ مِنْ غَيْرِهِ فِي فَهْمِ الحَقَائِقِ وَاسْتِنْبَاطِ المَعَارِفِ. وَهُوَ وَهْمٌ يَنْبُتُ فِي أَحْشَاءِ الكِبْرِ، وَيَسْقِيهِ جَهْلٌ عَمِيقٌ، فَيَحْمِلُ صَاحِبَهُ عَلَى أَنْ يَزِنَ النَّاسَ بِمِيزَانٍ هُوَ نَفْسُهُ، وَهُوَ مِيزَانٌ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ.
 
وَإِذَا سُقْتَ إِلَيْهِ الدَّلِيلَ أَعْرَضَ، وَإِنْ أَقَمْتَ البُرْهَانَ جَحَدَ، وَإِنْ نَصَحْتَهُ اسْتَكْبَرَ، فَصَارَ كَمَنْ يَسِيرُ فِي الطَّرِيقِ مُغْمِضَ العَيْنَيْنِ، يَظُنُّ أَنَّهُ أَبْصَرُ مِنْ أَهْلِ البَصَرِ كُلِّهِمْ.
 
وَلَيْسَ أَضَرَّ عَلَى مِثْلِ هَذَا المَغْرُورِ مِنْ أَنْ يُمْتَحَنَ فِي مَجَالِ العَقْلِ أَمَامَ مَنْ هُوَ أَرْسَخُ فَهْمًا وَأَسْبَقُ تَجْرِبَةً، فَهُنَاكَ يَنْكَشِفُ سِتْرُهُ، وَيَضْطَرِبُ بُنْيَانُهُ، وَتَتَبَدَّدُ دَعَاوَاهُ كَالرَّمَادِ تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ.
 
وَإِنَّ الحَكِيمَ إِذَا لَقِيَ أَفْضَلَ مِنْهُ عَقْلًا، جَعَلَ ذَلِكَ الفَضْلَ جِسْرًا يَعْبُرُ بِهِ إِلَى زِيَادَةِ مَعْرِفَتِهِ، وَحَمِدَ اللهَ أَنِ التَقَى بِمَنْ يَزِيدُهُ بَصِيرَةً، فَالعَقْلُ الحَقِيقِيُّ يَرَى فِي كُلِّ أَرْجَحَ مِنْهُ أُسْتَاذًا، أَمَّا الغَافِلُ فَيَرَى فِيهِ خَصْمًا.
 
فَاحْذَرْ أَنْ تُقَابِلَ العَقْلَ الأَرْجَحَ بِالمُنَازَلَةِ، فَإِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ خَسِرْتَ مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً بِانْكِشَافِ قِلَّةِ زَادِكَ، وَمَرَّةً بِضَيَاعِ فُرْصَةِ الاِقْتِبَاسِ مِمَّا عِنْدَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ أَشْرَفَ الغَلَبَاتِ هِيَ أَنْ تَغْلِبَ جَهْلَكَ بِمَعْرِفَةٍ تَسْتَقِيهَا مِمَّنْ هُوَ أَرْفَعُ مِنْكَ، وَأَنَّ أَكْبَرَ الهَزَائِمِ أَنْ تَصُدَّ بَابَ فِكْرِكَ عَنْ نُورِ الحَقِّ لِتَصُونَ وَهْمًا بَاطِلًا اسْمُهُ الكِبْرُ.
 

أخبار مماثلة
"شيرين أبو عاقلة... الشاهدة والشهيدة" كتاب هيثم زعيتر في الذكرى الأولى للاستشهادفاسكوomtla salleقريبا "Favorite"وظائف شاغرة في شركة NTCC