من الجنوب المجبول بالدم والعرق، تنهض القرى في صمود لا يلين طعناً في ظهر الاحتلال، وبصمّة وعد على أرض لن تسقط.
هذه القرى الحدودية لم تكن يومًا مجرد بيوت من حجارة أو حقول زيتون وتبغ فقط ، بل كانت شواهد حيّة على معنى الصمود في وجه الغاصب، وأيقونة لمواجهة العدو الإسرائيلي بكل ما يملك من آلة قتل ودمار.
هي حكاية أجيال آمنت أن البقاء في الأرض هو بقاء للهوية، وأن التشبث بالتراب هو أبلغ ردّ على محاولات الاقتلاع والتزوير.
تُعدّ القرى المحاذية للحدود اللبنانية ، الفلسطينية المحتلة، والمجاورة لحدود الجولان السوري، من أبرز النقاط الاستراتيجية في الصراع العربي – الإسرائيلي. فهي تقع عند تقاطع جغرافي شديد الحساسية، يجمع بين حدود ثلاث دول، ويجعلها صلة وصل طبيعية بين الداخل اللبناني وعمقه السوري والفلسطيني. هذه القرى ليست مجرد مساحات جغرافية، بل هي خطوط تماس تاريخية شكّلت على مدى عقود خطوط دفاع متقدمة عن السيادة الوطنية اللبنانية.
لكن ما يجعل هذه القرى أكثر حصانة هو أهلها. فالسكان الذين توارثوا الأرض جيلًا بعد جيل لم يكونوا يومًا على هامش الصراع، بل كانوا في صلبه. هم مزارعون ومجاهدون، حملوا البندقية كما حملوا معول الأرض، فكانت قراهم نموذجًا للصمود والتشبث بالهوية. التزامهم الديني العميق جعلهم يرون في البقاء على هذه الأرض أمانة وعبادة، والتزامهم الوطني رسّخ قناعتهم بأن الدفاع عن تراب الجنوب هو دفاع عن كل لبنان.
لقد أثبتت التجارب أنّ هذه القرى، بوعي أهلها وصلابتهم، شكلت خط الدفاع الأول في وجه الاحتلال، وأن التنازل عنها أو القبول ببقاء قوات الاحتلال فيها ليس مجرد تنازل جغرافي، بل تفريط بالكرامة الوطنية وبالمعادلة التي حمت لبنان لعقود.
هي أكثر من مجرد حدود، إنها حكاية أرض قاومت وبشرًا لم يساوموا، ودليل حيّ على أنّ التمسك بالحق والهوية هو الضمانة الحقيقية في أي تفاوض.