لا يمكن الحديث عن النجاح اللبناني والإرادة اللبنانية الجبارة والعظيمة دون الحديث سسة حفرت عميقًا في الوجدان الوطني وهي مؤسسة عامل التي جسدت وما زالت فكرة النهضة الوطنية وخدمة الوطن والانسان في كل زمان ومكان دون النظر إلى الانتماءات الضيقة, بل إن الإنسان هو المحور الذي انبثقت من رحم عظمة وجوده هذه المؤسسة وما زالت حتى اليوم تكافح على كل الصعد لاجل هذه الغاية وهذا الغرض.
يؤكد رئيس مؤسسة عامل الدكتور كامل مهنّا أن ثمة مشروع تاريخي أقيم في المنطقة لتمزيقها وتحويلها إلى جماعات متناقضة متقاتلة, وهذا المشروع ما زال مستمرا حتى اليوم، والرد عليه يكون باشكال شتى منها المقاومة الاجتماعية والثقافية والإنسانية التي لم ولن نتوقف عن خوضها على مؤسسة كل بقاع الوطن, فلا يمكن لمجتمعاتنا أن تعود للحياة دون أن يكون الإنسان هو الغاية, دون النظر له بعين الشفقة بل بعين التضامن والتكافل لبناء الوحدة والرؤية الاجتماعية التي نصبو لها ونبتغيها, وعامل هي الجمعية المدنية غير الطائفية التي تأسست سنة ١٩٩٧ لمواجهة تداعيات العدوان الاسرائيلي والانطلاقة الفعلية كانت عام ١٩٨٢ في حصار بيروت الغربية والضاحية وقد أسسنا ثلاثة مستشفيات في ذلك الوقت بالتعاون مع وزارة الصحة وقمنا باستعادة ١٢٠٠ جريح وتركيب ٤٠٠ طرف اصطناعي بالتعاون مع الدول الصديقة, وتجدر الإشارة أنه في كل عمل مؤسسة عامل الذي ما زال حتى اليوم مستمرا لم نشهد اي إساءة من اي جهة أو منطقة أو سواها نظرا للثقة والمحبة التي يجمع عليها اللبنانييون بالنسبة لهذه المؤسسة, ونسعى بكل من خلال العيادات النقالة والمراكز المنتشرة على مساحة الأرض اللبنانية أن نكون نبراسًا لكل الاخوة العاملين في هذا الشأن لناحية تعزيز لغة الحوار والتفاعل بين كل اللبنانيين, والشباب العامل مؤسسة عامل حاليا هم قيادات في مجتمعاتهم وهذا واحد من الأهداف المركزية التي نصبو لها.
لعبت مؤسسة عامل دورا فاعلا في كثير من الاستحقاقات والمنعطفات الكبرى, ومنها انفجار مرفأ بيروت الذي لم تبخل المؤسسة فيه وفق مهنّا بالوقت والجهد للتضامن مع الضحايا وذويهم ومعالجة الجراح النازفة التي شكلت محطة عصيبة وقاهرة لكل اللبنانيين, وفي العدوان الاسرائيلي الاخير جمعنا كل الجمعيات الكبرى وكان ثمة نداء وعمل ميداني لمعالجة الضحايا والأهل المتضررين بالتعاون مع وزارة الصحة والشؤون وادارة الكوارث, وكل ذلك ينبثق من الرؤية المركزية بتعزيز إنسانية الإنسان وهنا تكمن التحدي الحقيقي بالنسبة لنا.
يؤكد مهنا أن بوصلة الحق في هذا العالم اليوم هي فلسطين والمطوب هو توحيد الرؤية العربية والقومية إلى جانب أسمى القضايا واخر تجليات صراع الحق والباطل الواضحة في التاريخ المعاصر, وما يحصل في غزة اليوم هو اختبار للرأي العام والمجتمع الدولي الذي فشل في الوقوف إلى جانب قضايا الحق واسماها الإبادة التي تحصل بحق الفلسطينيين والغزاويين, والدليل على ذلك هو مرور اخبار غزة وفلسطين مرور الكرام على شاشة الإعلام العالمي الذي لم ينصف هذه القضية التي ستغير وجه العالم والمنطقة يقينًا.
الرؤية المستقبلية ل"عامل" تقوم على فكرة تجسيد العدالة الاجتماعية فلا يمكن لأي تفصيل أن يتم دون عدالة في توزيع الثروات وخدمة الناس بشتى مشاربهم, والعمل الانساني يجب أن يكون في المناطق الشعبية تحت شعار التضامن ودون فوقية, ويأتي معطوفا على ذلك حق الناس في التعليم والسكن والتعبير ومشاركة المرأة لما لها من دور مدماكي في هذا الصدد, وانطلاقًا من هذه العناوين تنبثق دولة العدالة الاجتماعية التي يقوم من أجلها كل نضال وعمل اجتماعي أن انساني.
ينهي مهنّا مؤكّدًا أن بصيص النور وسط ضبابية المشهد برمته تكمن في التفكير الايجابي والعمل به على أرض الواقع ليحقّق الإنسانية في ابهى حللها وتجلّياتها, وهذا ما يفتح نافذة لاقتناص المنح من قلب التحديات والمحن.