إِنَّ العَقلَ الَّذي امْتَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَى الإِنسانِ أَمَانَةٌ عَظِيمَةٌ، وَالحِفَاظُ عَلَى النَّفْسِ وَصِيانَتُهَا مِنَ المَهالِكِ أَصْلٌ مِن أُصُولِ الشَّرِيعَةِ الغَرَّاءِ. وَقَدْ جَاءَ التَّحذِيرُ الإِلَهِيُّ الواضِحُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾، فَفِي هذِهِ الآيَةِ نَهْيٌ صَرِيحٌ عَن كُلِّ فِعْلٍ يَجُرُّ الإِنسانَ إِلَى الضَّرَرِ أَوِ الهَلاكِ، سَوَاءٌ أَكانَ ذلِكَ فِي جَسَدِهِ أَو مَالِهِ أَو مَصِيرِهِ.
وَالمُخاطَرَةُ بِالنَّفْسِ لَيْسَتْ شَجَاعَةً، بَل هِيَ مَظْهَرٌ مِن مَظاهِرِ التَّسَاهُلِ بِالنِّعَمِ وَالتَّفْرِيطِ فِي حِفْظِ الحَقِّ الَّذِي أَوْدَعَهُ اللَّهُ فِينَا. وَكَذلِكَ المُخاطَرَةُ بِحَيَاةِ الآخَرِينَ أَو أَمْوَالِهِم هِيَ جُرمٌ مُضاعَفٌ؛ لأَنَّ الإِضرارَ بِغَيْرِنا جَريمَةٌ فِي حَقِّ الإِنسَانِ وَتَعَدٍّ عَلَى حُدودِ الرَّحْمَةِ وَالعَدْلِ الَّتِي جَاءَتْ بِهَا الشَّرِيعَةُ.
وَقَدْ يَظُنُّ بَعضُ النَّاسِ أَنَّ المُخاطَرَةَ إِذَا أَسْفَرَتْ عَن سَلامَةٍ أَو فَوزٍ، فَهِيَ مَحْمُودَةٌ وَدَلِيلٌ عَلَى الجُرْأَةِ. وَلَكِنَّ الحَقِيقَةَ أَنَّ السَّلامَةَ الَّتِي تَأتِي بَالمُصادَفَةِ لَا تُبَرِّرُ اقتِحَامَ الهَلاكِ، وَلَا تَجْعَلُ مِنَ المُخاطَرَةِ فِعْلًا مَقبُولًا، فَإِنَّ الحِكمَةَ تَقتَضِي دَفْعَ الشَّرِّ قَبلَ وُقُوعِهِ، وَلَيسَ التَّبَاهِي بِالنَّجَاةِ البَعدِيَّةِ.
إِنَّ حَيَاتَنَا وَحَيَاةَ غَيرِنَا أَغْلَى مِن أَن نَجعَلَهَا مَيدانًا لِلتَّجرِبَةِ أَو مَلعَبًا لِلمُغَامَرَةِ، وَالمُؤمِنُ العَاقِلُ يَزِنُ أُمُورَهُ بِمِيزَانِ الشَّرعِ وَالعَقلِ، فَيَتَجَنَّبُ كُلَّ مَا يُقَرِّبُهُ إِلَى المَخاطِرِ أَو يُدْنِيهِ مِن مَواطِنِ الضَّرَرِ.
فَلْنَجعَل قَاعِدَتَنَا فِي الحَيَاةِ أَنَّ الحَذرَ أَسلَمُ، وَالحِفاظَ عَلَى النَّفْسِ وَالآخَرِينَ أَوْجَبُ، وَالمُخاطِرَةَ غَيرُ مَحمُودَةٍ وَلَوْ كَانَتِ العَاقِبَةُ سَلامَةً.