9 ربيع الأول 1447

الموافق

الإثنين 01-09-2025

علم و خبر 26

أخبار

علم و خبر 26

بأقلامهم

بأقلامهم

"فِطْنَةُ الصَّيَّادِ وَغَفْلَةُ الْمَلِكِ"!
"فِطْنَةُ الصَّيَّادِ وَغَفْلَةُ الْمَلِكِ"!
القاضي م جمال الحلو
2025-09-01

يُحْكَى فِي سَالِفِ الْعَصْرِ وَالْأَوَانِ أَنَّ أَحَدَ الْمُلُوكِ كَانَ يُحِبُّ أَكْلَ السَّمَكِ كَثِيرًا.

وَذَاتَ يَوْمٍ جَاءَهُ أَحَدُ الصَّيَّادِينَ وَمَعَهُ سَمَكَةٌ كَبِيرَةٌ، فَقَامَ بِإِهْدَائِهَا إِيَّاهُ، وَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَعْجَبَتْهُ، وَأَمَرَ لَهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ مُكَافَأَةً عَلَى هَدِيَّتِهِ.

وَإِذْ بِزَوْجَةِ الْمَلِكِ تَقُولُ لَهُ: بِئْسَ مَا صَنَعْتَ.
فَقَالَ الْمَلِكُ: لِمَ تَقُولِينَ هَذَا؟
فَأَجَابَتْ: لِأَنَّكَ إِذَا أَعْطَيْتَ بَعْدَ الْيَوْمِ لِأَحَدٍ مِنْ خَدَمِكَ أَوْ حَشَمِكَ مِثْلَ هَذِهِ الْعَطِيَّةِ، سَيَقُولُ: لَقَدْ أَعْطَانِي الْمَلِكُ مِثْلَ عَطِيَّةِ الصَّيَّادِ.
فَقَالَ: لَقَدْ صَدَقْتِ، وَلَكِنْ يَقْبُحُ بِالْمُلُوكِ أَنْ يَرْجِعُوا فِي هِبَاتِهِمْ، وَقَدْ فَاتَ الْأَمْرُ.
فَقَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ: أَنَا أُدَبِّرُ هَذَا.
فَقَالَ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟
قَالَتْ: تَدْعُو الصَّيَّادَ وَتَقُولُ لَهُ: هَذِهِ السَّمَكَةُ أَذَكَرٌ هِيَ أَمْ أُنْثَى؟ فَإِنْ قَالَ ذَكَرًا قُلْ: إِنَّمَا طَلَبْتُ أُنْثَى، وَإِنْ قَالَ أُنْثَى قُلْ: إِنَّمَا طَلَبْتُ ذَكَرًا.

فَنُودِيَ عَلَى الصَّيَّادِ فَعَادَ، وَكَانَ الصَّيَّادُ ذَا ذَكَاءٍ وَفِطْنَةٍ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: هَذِهِ السَّمَكَةُ ذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟
فَقَالَ الصَّيَّادُ: هَذِهِ خُنْثَى، لَا ذَكَرٌ وَلَا أُنْثَى.
فَضَحِكَ الْمَلِكُ مِنْ كَلَامِهِ وَأَمَرَ لَهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ.
فَمَضَى الصَّيَّادُ إِلَى الْخَازِنِ وَقَبَضَ مِنْهُ ثَمَانِيَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَوَضَعَهَا فِي جِرَابٍ كَانَ مَعَهُ، وَحَمَلَهَا عَلَى عُنُقِهِ، وَهَمَّ بِالْخُرُوجِ.

فَوَقَعَ مِنَ الْجِرَابِ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ، فَوَضَعَ الصَّيَّادُ الْجِرَابَ عَنْ كَاهِلِهِ، وَانْحَنَى عَلَى الدِّرْهَمِ وَأَخَذَهُ، وَالْمَلِكُ وَزَوْجَتُهُ يَنْظُرَانِ إِلَيْهِ.
فَقَالَتْ زَوْجَةُ الْمَلِكِ لِلْمَلِكِ: أَرَأَيْتَ خِسَّةَ هَذَا الرَّجُلِ وَسَفَالَتَهُ؟ سَقَطَ مِنْهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ، فَأَلْقَى عَنْ كَاهِلِهِ ثَمَانِيَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَانْحَنَى عَلَى الدِّرْهَمِ فَأَخَذَهُ، وَلَمْ يَسْهُلْ عَلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَهُ لِيَأْخُذَهُ غُلَامٌ مِنْ غِلْمَانِكَ.
فَغَضِبَ الْمَلِكُ مِنْهُ وَقَالَ لِزَوْجَتِهِ: صَدَقْتِ.
ثُمَّ أَمَرَ بِإِعَادَةِ الصَّيَّادِ وَقَالَ لَهُ: يَا سَاقِطَ الْهَمَّةِ، أَنْتَ لَسْتَ بإنْسَانٍ! لَقَدْ وَضَعْتَ هَذَا الْمَالَ عَنْ عُنُقِكَ لِأَجْلِ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ، وَأَسِفْتَ أَنْ تَتْرُكَهُ فِي مَكَانِهِ؟

فَقَالَ الصَّيَّادُ: أَطَالَ اللهُ بَقَاءَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ الْمُبَجَّلُ، إِنَّنِي لَمْ أَرْفَعْ هَذَا الدِّرْهَمَ لِخَطَرِهِ عِنْدِي، وَإِنَّمَا رَفَعْتُهُ عَنِ الْأَرْضِ لِأَنَّ عَلَى وَجْهِهِ صُورَةَ الْمَلِكِ، وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ اسْمَ الْمَلِكِ، فَخَشِيتُ أَنْ يَأْتِيَ غَيْرِي بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَضَعَ عَلَيْهِ قَدَمَيْهِ، فَيَكُونَ ذَلِكَ اسْتِخْفَافًا بِاسْمِ الْمَلِكِ، وَأَكُونَ أَنَا الْمُؤَاخَذَ بِهَذَا.

فَعَجِبَ الْمَلِكُ مِنْ كَلَامِهِ، وَاسْتَحْسَنَ مَا ذَكَرَهُ، فَأَمَرَ لَهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ.
فَعَادَ الصَّيَّادُ وَمَعَهُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ.

ثُمَّ أَمَرَ الْمَلِكُ مُنَادِيًا يُنَادِي:
"لَا يَتَدَبَّرَنَّ أَحَدٌ بِرَأْيِ النِّسَاءِ، فَإِنَّهُ مَنْ تَدَبَّرَ بِرَأْيِهِنَّ وَائْتَمَرَ بِأَمْرِهِنَّ، خَسِرَ ثَلَاثَةَ أَضْعَافِ دَرَاهِمِهِ".

إِنَّهَا عَطِيَّةُ مَلِكٍ اسْتَقْبَحَ اسْتِشَارَةَ زَوْجَتِهِ، وَحِنْكَةُ صَيَّادٍ مِنْ صِنَّارَةٍ زَادَتْ عَطِيَّتَهُ.
فَهَلْ مِنْ مُعْتَبِرٍ يَتَّعِظُ؟

جنوبيات
أخبار مماثلة
"شيرين أبو عاقلة... الشاهدة والشهيدة" كتاب هيثم زعيتر في الذكرى الأولى للاستشهادوظائف شاغرة في شركة NTCCفاسكوomtla salleقريبا "Favorite"