11 ربيع الأول 1447

الموافق

الأربعاء 03-09-2025

علم و خبر 26

أخبار

علم و خبر 26

بأقلامهم

بأقلامهم

"حارِسُ الجُمهوريَّة"!
"حارِسُ الجُمهوريَّة"!
القاضي م جمال الحلو
2025-09-03

يَغيبُ عنَّا اليومَ عَلَمٌ من أعلامِ الفِقهِ الدُّستوريِّ في لُبنان، ورَجُلٌ صَنَعَ من نَزاهتِهِ وجُرأتِهِ صَوتًا للضَّميرِ وَسْطَ ضَجيجِ السِّياسة، هُو الدُّكتور حَسَن الرِّفاعي (1923 – 2025)، الّذي ارْتَحَلَ عن عُمرٍ ناهزَ المِئَةَ عامٍ، تاركًا وراءَهُ إرثًا يُزَيِّنُ سِجِلَّ القانونِ الدُّستوريِّ في وَطَنٍ أنهَكَتْهُ الأزماتُ والتَّجاذُبات.

الفَقيهُ الّذي حَرَسَ الدُّستورَ

وُلِدَ الرِّفاعي في بَعلبَك عامَ 1923، ودَخَلَ الحَياةَ النِّيابيَّة عامَ 1968 بَعدَ مُحاوَلَةٍ أُولى في 1964. ومُنذُ ذلكَ التّاريخِ، عُرِفَ كصَوتٍ لا يُهادِنُ، وفَقيهٍ دُستوريٍّ لا يُساوِم. وكانَ حاضِرًا في مُفاوَضاتِ «اتِّفاقِ الطّائف» عامَ 1989، حيثُ رَفَضَ المَسَوَّداتِ الجاهِزة، ودَعا إلى الاسْتعانةِ بخُبَراءَ دُستوريِّينَ لُبنانيِّين، إيمانًا مِنهُ بأنَّ الدُّستورَ لا يُكتَبُ إلَّا بِيَدِ أهلِه.

ورَأى في الدُّستورِ اللُّبنانيِّ الحالي «نصًّا جيِّدًا» يَحتاجُ إلى تَنقِيَةٍ مِنَ الشَّوائِبِ والتَّفاسيرِ الاعتباطيَّة، مُحَذِّرًا مِن تَحوِيلِه إلى أداةٍ للانقِسامِ والهِيمَنة. وفي السَّنواتِ الأخيرةِ، رَفَضَ القانونَ الانتِخابيَّ السّائِد، واعتَبَرَهُ «مَسخًا» يُشَتِّتُ صَوتَ النّاخِبِ ويُعمِّقُ الانقِساماتِ الطّائِفيَّة.

شَهادةٌ لِلتّاريخ

«أيُّها العَلَمُ الّذي طَوى ظِلَّ الدُّستورِ وضَوءَ القانون، ها أنتَ تُستَعادُ اليومَ إلى حَضرَةِ الغَيب، تاركًا لنا سِيرةً عُنوانُها النّقاءُ والجُرأةُ والإخلاصُ لِشَرَفِ الجُمهوريَّة. لقد كُنتَ الحارِسَ الأمينَ لِكِتابٍ لم يُحترَم، والصَّوتَ الصّافي في زَمنٍ غَلَبَ فيه الضَّجيج. ما فَرَّطتَ في مَبدَإٍ، وما ساوَمتَ على حَقٍّ، بَل بَقِيتَ شامِخًا كأرزِ وَطنِكَ، تُذَكِّرُنا أنَّ السِّياسةَ إن لَم تُمارَسْ بِنُبلٍ فلا خَيرَ فيها.»

الإرثُ الّذي لا يَغيب

لَم يَكتَفِ الدُّكتور حَسَن الرِّفاعي بِمواقِفِهِ النِّيابيَّة، بَل وَثَّقَ مَسيرَتَهُ في كِتابٍ حَمَلَ عُنوان «حارِسُ الجُمهوريَّة»، صاغَهُ بالتَّعاوُنِ مع أحمد عيّاش وجوزِف باسيل وابنِه حَسّان. وأرادَ لِهذا العَمَل أن يَكونَ شَهادةً لِلتّاريخ، ورِسالَةً لِلأجيالِ بأنَّ الأوطانَ تُبنَى بِرِجالٍ يُقَدِّمونَ المَبدَأَ على المَصلَحة.

إنَّ رَحيلَ الرِّفاعي لَيسَ غِيابَ شَخصٍ فَحَسْب، بَل أُفولَ مَدرَسَةٍ كامِلَةٍ مِنَ الفِكرِ الدُّستوريّ، مَدرَسَةٍ آمَنَتْ بأنَّ النَّصَّ القانونيَّ لا يَحيا إلَّا بِرُوحِ العَدالة، وأنَّ الجُمهوريَّةَ لا تُصانُ إلَّا بِصِدقِ أبنائِها.

وباختِصارِ الكلامِ في حَضرَةِ الرَّحيل نقول:

سَلامٌ عَلَيكَ، أيُّها الفَقيهُ الدُّستوريُّ الجَليل، يا حارِسَ الجُمهوريَّة. نَمْ قَريرَ العَينِ في رِحابِ رَبِّكَ، فَقَد تَركتَ فينا بَصمَةً لا تُمحى، وشَهادةً لا تُنسى، ووَصِيَّةً لِلأجيالِ أن يَحرُسوا دُستورَهُم كما حَرَستَه…
رَحِمَكَ اللهُ رَحمَةً واسِعَة، وأسكَنَكَ فَسيحَ جَنّاتِهِ.

جنوبيات
أخبار مماثلة
"شيرين أبو عاقلة... الشاهدة والشهيدة" كتاب هيثم زعيتر في الذكرى الأولى للاستشهادجمعية أهلنا: حملة Back to schoolوظائف شاغرة في شركة NTCCفاسكوomtla salle