لبنانيات >جنوبيات
صيادو السمك في صور: "يا بحر شو بشكيلك"
الأربعاء 17 02 2016 10:37ارتبط اسم مدينة صور بالصيد، اذ يقارب عدد صياديها الالف يعتاشون من خيرات البحر، متكئين على ثراء البحر الصوري بالاسماك، اذ يعد محمية بحرية، عند مرفأ الميناء البحري حركة الصيادين لا تهدأ، كل منهم ينزل حمولة البحر، وآخرون يعملون على اصلاح شبكاتهم بعد تضررها، على مقربة منهم يوجد آخر حرفيي صناعة المراكب، فيما تحاذي الميناء صور العتيقة بحاراتها الضيقة وازقتها المتفرعة على اكثر من اتجاه، تشبه تلك المنطقة ايطاليا، لبرهة تخال نفسك خارج دائرة لبنان المنقسم على مشاكل وهموم وتحديات، لولا سماع معاناة الصيادين وهم يشكون "قلة الحيلة" وغياب "ذراع" الدولة وانكماش حركة الصيد نتيجة عدة عوامل ابرزها الصيد الجائر، منافسة الهواة للصيادين، كثافة الصيادين واتباع طرق الصيد غير المشروعة وغيرها من اسباب شكلت نقطة انحدار لاقدم مهنة صورية على الاطلاق.
قبل عشرين عاما بدأت المهنة بالتراجع، نتيجة غياب نقابة تحميها وتدافع عن صياديها، وساهمت تركيبة البلد السياسية والخلافات الداخلية في اقصاء هذه الفئة من الناس عن جدول الاعمال، ما وضع الصياد في محنة مواجهة واقعه بمفرده، لم يكن بمقدور ماجد بوّاب ان يغير مهنته التي توارثها ابا عن جد، فالعائلة "صيّادة منذ مئات السنين، ومن يعمل في البحر لا يتأقلم مع البر"، امام مركبه السياحي عند الميناء يجلس بوّاب ابن الاربعين ربيعا يحمل صنارته وخيوطا تساعده على اصلاح شبكة "رزقه" المتضررة.
يعتاش بوّاب من الصيد، مهنة "اليوم بيومه" وفق تعبيره، يعاند ظروفه ويمضي باحثا عن مستقبل للمهنة، حسب بوّاب "المهنة تراجعت بشكل خطير قبل اثني عشر عاما، حين بدأ العجز يخرج للعلن، وغياب السند الذي يحمي ظهرنا، تخيل انك تجد نفسك وحيدا، لا يوجد من يحمي هذه المهنة، رغم اهميتها". لافتا الى انها "بالكاد تكفي كفاف يومنا".
يعيش القطاع فوضى ممنهجة، بات بحاجة الى تنظيم واعادة رفده بهيكلية اصلاحية اسوة بباقي المهن، واعادة احياء دور النقابة الغائبة عن السمع رغم انها اداة ضاغطة امام الدولة لحماية حقوق الصياد نفسه، الذي يجد نفسه في المعركة وحيدا عليه مواجهة ذئاب الاهمال والتهميش، يقول بواب بحرقة "اما آن لنا ان نشعر اننا في دولة تحترمنا، ربما على ابواب الانتخابات يتذكرون حقوقنا فيغدقون الوعود الكاذبة التي تتبخر مع اول نهار جديد مثل النقابة التي حفرت وعودها بدعمنا على لوح الثلج".
مع تراجع مواسم الصيد بات البحث عن وسائل مساعدة ضرورة ملحة، يقر اغلب صيادي صور ان المهنة تتدهور، وان المنافسة تتوسع ليس بين الصيادين انفسهم بل بينهم وبين هواة يلحقون الضرر بالمهنة وبالثروة البحرية التي يكتنزها البحر الغني ليس فقط بثروة سمكية من لقز، كركند، غبص، سفرني، وغيرها بل بفوارات المياه العذبة التي تخرج الى سطح البحر وتتمدد على مسافة 300 متر مربع، وتعد ثروة مهمة توازي ثروة النفط، ولكن لا مشاريع في الافق لاستخراجها والافادة منها في تخفيف اثر الشح الصيفي الذي يصيب لبنان.
ابتكر اغلب الصيادين السياحة البحرية، وسياحة المراكب الشراعية التي تجذب عشاق البحر للتعرف على صور عبد الحسين شرف الدين، صور الحي المسيحي المزنر بحجارته المعتقة، حيث الباب ملاصق للباب، والطيبة سيدته، تتعرف على صور العتيقة بادراجه الطويلة ونوافذها الخشبية، حارات لا تشبه واقع اليوم، تطل على البحر حيث ترى الصيادين منتشرين كل يحمل صنارته او شبكته او يمضي في مركبه داخل عباب البحر، لم تعبر السياسة من تلك الاحياء، ولم تغير من تفكير ابنائه، تسمعهم يتحدثون عن الالفة ومهنة الصيد فأغلبهم صيادون، مطاعم السمك الاكلة المشهورة في صور تزنر الميناء، فالزائر يعيش حالة تفاعل واقعية بين الميناء والبر، فلا يمكن ان تزور صور الا وتذهب برحلة في احد القوارب لتشاهد المدينة من البحر.
عند شاطئ صور الحجري يجلس يوسف مصطفى، علامات البحر تجدها على جسده، وفي حديثه، ابن البحر الذي يمضي فيه اغلب وقته بين الغطس والصيد يتحدث عن معاناة "قاسية"، المت بالمهنة ودفعت لتراجعها، ساعات طويلة يمضيها وهو ينتظر شبكته في البحر، كيلو اثنان ثلاثة اذا كان بيتي بالقلعة اصطاد خمسة كيلو لقز سعر الكيلو الطازج بـ35 الفا، اعتاد مصطفى على حياة البحر باتت روحه، البر يغرق بالمشاكل والملوثات ، البحر حياة مختلفة، سيما قعر البحر حيث تجد الآثارات المدفونة والجمال الطبيعي الخلاب، بدك مين يعرف قيمة كنزنا".
يعتب مصطفى على الدولة، بكافة مكوناتها السياسية، يحاول ان يكون واقعيا في كلماته لكنه يقول "اين وزارة الزراعة لتنظم عمل الصيد البحري، هناك صيد جائر يقضي على الثروة السمكية، يتحدثون عن فرض حظر على الشبكات الضيقة التي تصطاد بذرة السمك ولكن متى التطبيق، مراسيم لبنان في كومة".
مع تعاقب الحكومات اللبنانية لم تقدم اي اصلاحات في ما يتعلق، بمهمة الصيد البحري، ولم يصدر مرسوم او قرار يحدد حقوقهم ويحميها، ما انعكس سلبا على القطاع اذ حسب الصيادين انفسهم "تشجيع الدولة يعني استيراد سمك من الخارج بدن يخففو عنا حمل، وتناسوا ان ابناء البحر شجعان يواجهون حتى الموت"، وحدها البلدية تعمل على تأمين حمايتهم عبر تأمين تسيير دوريات لحمايتهم، ولكن وفق العم ابي حسن "نحتاج الى دعم اكبر لنصمد، الحياة صعبة حرام ان نخسر قطاعا كاملا بسبب لامبالاة الدولة بتنظيمها الرقابة الفعلية عليه".
منافسة شرسة تواجه الصيادين اذ يوجد 800 صياد لبناني و250 فلسطينيا اضافة الى الهواة الذين يتجاوزون الـ500 واكثر وهذا بحد ذاته يؤثر سلبا على رزقة الصياد نفسه الذي يعتمدها مورد رزقه. يقول العم ابو حسن "مش ناقص الا وينزل السوري عالبحر حين تزداد معاناتنا اكثر" ولا يخفي العم ابو حسن قلقه من مصير المهنة في المستقبل اذ يفضل جيل اليوم المهنة الثابتة على مهنة المغامرات اليومية التي تبدأ مع ساعات الفجر الاولى وتنتهي عند المغرب لتبدأ مجددا في رحلة يوميا تحولت الى عرف صوري وإرث من زمن الفينيقيين الى اليوم وفق العم علي "غياب سياسة عامة تنظيمية ومعها رقابة فاعلة وضابطة يخرج المهنة من طورها ويضعها عند شاطئ التهميش الى ان تتكرم النقابة بتفعيل دورها وتأخذ مكانها الصحيح اذ عمل النقابات مؤثر وفاعل وعبره نحصل على حقوقنا ولكن حين تتحول النقابة الى اداة حزبية فتلعب المحسوبيات وتكبر التفرقة". لافتا الى "انه حين تتعطل شبكة الصيد نتوقف اسبوعا عن العمل لاصلاحها، وهذا يؤثر على حياتنا اليومية اذا ما اشتغلنا ما مناكل" يتوقف العم ابو حسن عند بيئة البحر الصوري النظيفة اذ تغيب الملوثات البيئية ويتمتع ببيئة جيدة اضافة الى مناخها الذي يجذب السياح وتلعب قوات الطوارئ دورا في تنشيط حركة المدينة البحرية".
لا تزال اغنية "ع المينا يا ريس ع المينا" تصدح بين الصيادين، ومعها كلمة "اخ يا بحر شو بشكيلك" ولان الصياد يعرف ان شكواه لغير البحر مذلة، يدعو اسياد لبنان ليمارسوا مهنة الصيد ولو ليوم واحد ليتعرفوا على معاناتهم علهم يعودون الى مكاتبهم ويسطرون المراسيم لحماية هذا القطاع من التهميش.