ثقافة وفن ومنوعات >ثقافة وفن ومنوعات
"ليل" و"حارس الموتى" .... روايتان لجورج يرق
"ليل" و"حارس الموتى" .... روايتان لجورج يرق ‎الخميس 25 02 2016 23:45
"ليل" و"حارس الموتى" .... روايتان لجورج يرق


مقطع من "ليل":
أقرأ لها على مهل. اعترفت مرّة أنّها تتخيّل الكلمات التي ألفظها مكتوبةً، فتقرأها. تراها على صفحة بيضاء، تتراكم على الصفحة السطور، بعضها فوق بعض. تتخيّل الشكل الذي تتخذه كل مفردة حالما أنطق بها أنا وتسمعها هي. كانت تقرأ لا تسمع. تظهر الحروف على شاشة خيالها مثلما تظهر لدى نقرها على الدكتيلو، حرفًا وراء حرف حتى تكتمل الكلمة.
كذلك لدى إبحارها في عالمها الموسيقى، فإنّها لا تسمع النغمات بل تراها. نغمة تراها موجة تضرب الصخر أو هواء يلاعب الأشرعة. نغمة وقع أقدام في ساحة المعركة أو في ملعب لراقصات الباليه. نغمة رنين سوط على ظهر حصان ونغمة رفرفة جناحين في أوّل الطيران.
حتى في الكلمات كانت ترى أنغامًا. فعندما يصف كاتب ليلاً عاصفًا ماطرًا، فإنّها تسمع للتوّ عناق حبال المطر على نافذتها، أو ينتقل بها الوصف إلى مشهد مماثل كانت قد رأته في فيلم قبل أن يخفت في عينيها الضوء الذي ينير لها العالم.
---------
مقطع من "حارس الموتى":
كنت منحازًا إلى جثث المساكين الذين ظلمهم القدر فجعلهم أذلّاء على باب الحياة. انحزتُ إليهم لأنّي واحد منهم. أشعر أنّ أمورًا وافرة تجمعني بهم وتجمعهم بي. فسعيتُ إلى تأمين بعض الراحة لجثثهم في هذا المكان الذي لي سلطة عليه.
في بعض الأحيان، كنت أرجىء دورَ جثّة حانَ لتُسجّى على لوح التبريد، فأضع جثّة وصلت بعدها. والسبب أن صاحب الثانية فقير مقهور وصاحب الأولى ميسور مرفّه. وذلك لم يوقظ لديّ عقدة الشعور بالذنب.
كنت أفعل ما أفعله وضميري مستريح.
جثث كثيرة لم أعاملها معاملة الأحياء للموتى. أو كما هو مفترض أن يتصرّف شخصٌ يعمل عملي. مرارًا خاطبت ميتًا وأفشيت له ما في أعماقي.
ليس صحيحًا أن الإنسان يموت عندما يتوقّف قلبه عن النبض، ويتعطّل دماغه.
لطالما شعرتُ بأني لستُ وحدي في البرّاد، مع أنّ لا أحد معي.
كنتُ أشعر بأنّ المكان ممتلىء، وأن مساحته الضيّقة تكاد تنفجر لامتلائها، وتحديدًا حين يحلّ السكون.
كان السكون يحرّر الأرواح من هياكلها فتهيم حولها.
كنت أسمع الأنفاس المحمّلة بكلمات مبتورة وبأصوات تريد أن تقول شيئًا ولا تقول.