مقالات مختارة >مقالات مختارة
هاشم المدني أقدم مصوري صيدا يرحل
ترك كنزاً يوثق ذاكرة "عاصمة الجنوب"
الخميس 10 08 2017 09:45ثريا حسن زعيتر:
خسرت مدينة صيدا أقدم وأعرق مصور صيداوي هاشم محمد المدني عن (86 عاماً) حاملاً معه ذكريات مدينته الأحب إلى قلبه.
انه الحنين إلى الماضي بذكرياته وتاريخه، تخلده صورة بالأبيض والأسود، وأرشيف لم يأكل عليه الدهر أو يشرب كما تجري العادة مع حياة الإنسان والأشياء.
تمر الأيام والسنون، وتبقى الصورة سواءً كانت بالأبيض والأسود أو الملون، شاهداً على الحنين والذكريات والتاريخ، وتتحول "الكاميرا" في يدي محترفها إلى ريشة، والمصور إلى فنان، والإستديو إلى محترف فني، فالتصوير فنٍ راقٍ وإبداع يصنع الصورة بتفاصيلها لتخلد بجمالها وتخلد صاحبها من النسيان.
والصورة وفق هؤلاء المحترفين من المصورين ليس مجرد "لقطة" أو إطار - "برواز".. وانما نافذة للعودة إلى الماضي بوصفها أرشيفاً خالداً، و"باب" الحاضر للدخول إلى المستقبل على اعتبارها مهنة لكسب العيش الكريم من جهة، وتأريخاً لمرحلة معينة من حياة الشعوب وعصور الأوطان، من جهة أخرى.
ويعتبر المدني، أقدم مصوري المدينة، بعدما إحترف المهنة في العام 1948، وبقي محتفظاً بالاستديو القديم كما هو، بأبوابه الخشبية وأرشيفه النادر، و"النيغاتيف" الذي رتبه في صفوف وفق السنين.
والمدني، الذي يعتز أنه بات يجمع بين الأبيض والأسود والملون، روى قبل رحيله في حوار أجريناه معه في "اللـــواء" في "الإستديو" العتيق، الكائن في شارع رياض الصلح الرئيسي قبالة "اشارة صيدا"، ذكرياته مع الصورة والكاميرا والتاريخ ورجال السياسة والفنانين.
وأكد "أن الصورة القديمة أجمل".. هذه الصورة التي اختارته ليشارك في عدة معارض في لبنان وفرنسا ولندن، كتبت عنه الصحف والمجلات العربية والغربية كواحد من الذين يؤرخون تاريخ المدينة بالصورة القديمة.
حرص على إبقاء "الإستديو" على شاكلته الأولى، تدخل إليه عبر باب خشبي كبير كتب عليه اسمه بخط اليد، وتزدان غرفة الإستقبال بعشرات الصور الكبيرة التي احتفظ بها كشاهد على تاريخه وابداعه، تعبق رائحة المواد التي يستخدمها في تظهير الأفلام داخل مختبر صغير تقطعه طولاً وعرضاً حبل لتعليق الصور مع "الملاقط"، إلى جانب آلة طباعة حديدية قديمة.
كراسٍ خشبية وطاولة متواضعة تصدرت المكان، الذي يوصل إلى غرفة الأرشيف الوسطى، قبل الوصول إلى قاعة التصوير التي يشعر المرء فيها وكأنه يعيش في منتصف القرن الماضي، كاميرا كبيرة وانارة و"فلاشات" وجدارية مشهد تخرقها أشعة الشمس من احدى النوافذ الجانبية.
التقط صوراً داخل الاستديو وخارجه حين الطلب، لسياسيين، وفي طليعتهم: المرحوم الدكتور نزيه البزري والشهيد معروف سعد، خاصة في الحملات الإنتخابية عام 1972، وكذلك عندما كان يزور أي فنان مشهور المدينة، منهم "وحش الشاشة العربية" فريد شوقي و"الشحرورة" - صباح، والفنانة طروب وأبو ملحم ومحمد أمين وسواهم.
ولا يُُخفِي أن أجمل صورة تلك التي التقطها للسيدة فران (زوجة صاحب بنك الفران آنذاك وهي بولندية)، إذ جاءت إليه وقالت له "لقد تصورت كثيراً ولم يعجبني أي منها"، وأردفت "إذا اعجبتني الصور أدفع لك"، فيقول المدني "قبلت التحدي وكان وجهها جميلاً، صورتها بإتقان ونالت إعجابها وسعادتها، ودفعت ما يستحق عليها وما زلت احتفظ بصورتها"•
كان يشعر بغصة وحرقة عندما يتذكر الغزو الإسرائيلي للبنان في حزيران 1982، حين تعرض "الإستديو" إلى السرقة.
رحل صاحب المدني، وترك كنزاً من آلاف "النيغاتيف" في أرشيفه القديم النادر الذي نظمه في صفوف متتالية وفق السنين، إلى جانب كاميرا قديمة لعرض الأفلام المتحركة كان "يشغلها" في المدارس لعرض الأفلام الوثائقية بناء على طلب إداراتها التعليمية.
رحل بعدما شارك في معرض لبنانية وعربية ودولية ونال جوائز متعددة، وأفردت له الصحف مساحات شاسعة للحديث عن موهبته وإبداعه، فكان محل تكريم وتقدير في حياته، وهو ما يستحقه بعد رحيله.