عام >عام
«الثروة السمكية» مهدّدة.. والصياد اللبناني إلى الفقر
الأربعاء 27 09 2017 09:28جنوبيات
يُجمع الصيادون على أنّ بيع السمك بالمزاد العلني هو تقليد قديم عُرِفَ مطلع القرن العشرين، «ورثناه عن آبائنا وأجدادنا الذين عملوا في هذه المهنة المتعبة، وهناك «دلال» لكل صالة بيع، عادة ما يكون خبيراً بأنواع السمك وبأسعاره المتقلبة نسبيا».
«بورصة» الأسعار تخضع لقاعدة العرض والطلب، حيث تنخفض هذه الأسعار حين تكون كمية الأسماك المعروضة للبيع كبيرة، وترتفع حين تكون الكمية قليلة، إضافة الى ان أسعار السمك ترتفع حين تكون أحوال الطقس رديئة في البحر، الأمر الذي يمنع الصيادين من النزول إلى العمل.
هذا، ويشهد سوق البيع بالمزاد العلني ضغطا واقبالا كثيفين في ايام محددة من الأسبوع خاصة يومي السبت والاحد، اضافة الى أيام الأعياد والمناسبات والعطل الرسمية، في حين يقل عدد الزبائن نسبيا في بقية الأيام، والسبب في ذلك يعود الى توافد أصحاب المطاعم في العاصمة بيروت الى سوق المزاد يومي السبت والاحد وخلال الأعياد، لشراء كميات كبيرة لمطاعمهم التي يرتادها الزبائن في مثل هذه الايام بكثرة.
ومن أسواق المزاد العلني مسمكة «أنوس» في الميناء، التي تشهد يومياً حركة ناشطة للبيع والشراء، وإقبالاً كثيفاً من كافة المناطق اللبنانية بهدف شراء «السمك البلدي» الطازج، وضمن المسمكة «أصوات» تعلن عن البيع بالمزاد العلني، وأخرى تقرّر المزايدة إلى أن يقع النصاب على الشخص الأعلى سعراً، لتتكرّر نفس العملية مرّات عديدة وسط ترقّب التجّار والأشخاص المتردّدين على السوق لمعرفتهم تماماً بأنّ سعر المزادات يقل كثيراً عن أي مسمكة أخرى.
وكما حال كل القطاعات في البلد، فإنّ مهنة «صيد السمك»، التي تعتاش منها نسبة كبيرة من أبناء منطقة الميناء والجوار الى اندثار بسبب الفوضى المستشرية والغياب الكلي للدولة التي وبالرغم من وجود القوانين التي تحد من الصيد العشوائي، الا ان شيئاً منها لا يطبق، بمعنى أن الصياد يترك لأهوائه في اختيار الوسيلة التي يرغب بها في صيد السمك، بحيث يستخدم الكثير منها «الديناميت» الممنوع أصلاً، والذي يساهم مساهمة فعّالة في انقراض الثروة السمكية، فضلاً عن أن «هواية صيد السمك» يلجأ اليها المتعلم والمواطن العادي الى جانب الصياد من دون أن يكون هناك أي تنظيم لهذه الهواية.
دقناش
{ وبين عملية الصيد وشراء «الأسماك البلدية» بات هناك السمك المستورد، الذي يُباع بكلفة أقل بكثير من السمك البلدي، وإزاء هذا الواقع فإنّ الكثير من كميات السمك تبقى لدى الصياد بسبب تعذّر بيعها في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، التي يتخبط بها الناس.
وعن الموضوع تحدّث النقيب السابق للصيادين سالم دقناش (68 سنة) إلى «اللواء»، فأشار إلى أن «سوق المزاد موجود منذ سنوات طويلة بل منذ وجود هذه المصلحة، حيث يأتي الصياد بالأسماك ويعرضها بالمزاد العلني، وبالطبع يحق للناس العاديين وأصحاب المطاعم شراء السمك، وتعتبر مسمكة «أنوس» الأهم في الميناء ويقصدها الزبائن من كل المناطق».
وأضاف النقيب: «السمك رزقة، بيد أنّ الصياد يعيش أوضاعاً اقتصادية صعبة جداً بعدما بات البحر مكشوفاً للجميع والفلتان سائد في الصيد. الدولة «كذبة» والقوانين الموجودة لا تطبق، كل وسائل الصيد الموجودة في العالم متوافرة لدينا، وللأسف الدولة غائبة عن الوعي ولا تنفذ القانون، وفي المقلب الآخر فإنّ النقابة غائبة عن أي دور لها في هذا المجال، واليوم لم يعد هناك موسم للصيد، وإذا ما بقينا على هذه الحال من الفوضى، فإنّ الثروة السمكية في اندحار، وبالتالي فإنّ هذا الوضع سينعكس سلباً على الصيادين الكثر في الميناء والبداوي وأنفة وشكا، وإزاء ذلك لا تقوم الدولة بواجباتها بعدما لم تعد هموم المواطن تعنيها، وبرأيي القانون لا يُطبّق الا على الأمور التافهة، فمثلاً قد يُحرّر لنا محضر ضبط بسبب «العلم اللبناني» الموجود على المركب بوضعية خاطئة!!!! أما التفجير الحاصل في البحر بهدف الصيد فلا يعنيهم، رغم أنّ الدولة معنية بمتابعة القضية لمنع اضمحلال الثروة السمكية وذلك من خلال منع الصيد بطريقة عشوائية».
وأكد النقيب دقناش «أنّنا أبطال والبحر عدوّنا وليس هو باب الرزق بالنسبة لنا، وهنا لا أتناول فئة معيّنة بل إنّنا جميعاً مسؤولون عن التدهور الحاصل، وأكثر من ذلك المهنة متروكة لدرجة أنّ الطبيب يصطاد والمهندس يصطاد وحتى الوزير يصطاد، في كل دول العالم يُمنع على أي كان النزول إلى البحر باستثناء الصياد، أما أصحاب الهوايات فتُحدّد لهم أماكن معيّنة ويُسمح لهم بالصيد بكميات محدّدة، وإذا ما بقينا على ما نحن عليه فإننا نسير نحو الأسوأ بفترات زمنية قصيرة».
أنوس وضناوي
{ من جهته، الدلال نصوح أنوس (67 سنة)، وهو يمارس مهنة المزاد منذ 50 سنة، قال: «الدلال مهنة مَنْ لا مهنة لهم، ومَنْ يعمل فيها لا يملك المال بالرغم من أنّ السمك «ثروة بحد ذاتها»، وأحياناً لا يتم بيع السمك بكمياته الكبيرة فيضطر الصياد لأخذه، المهنة ليست في طريقها الصحيح، وهي الى زوال بسبب انتشار السمك المستورد، الذي يأتينا بأسعار متدنية جداً، لكن مَنْ يريد لقمة شهية لا يأكل سوى السمك البلدي».
{ أما التاجر فادي ضناوي (47 سنة) فقال: «أعمل في هذه المصلحة منذ 15 سنة، والحمدلله مصلحتنا جيدة، المزاد مطلوب ومهم كونه يعرض السمك البلدي الطازج من «البحر إلى المستهلك»، وكصيادين لا نتلقّى الكثير من الأرباح، وتعد مسمكة «أنوس» الوحيدة التي تبيع السمك البلدي ويقصدها الزبائن من الجنوب وصيدا وكل المناطق اللبنانية، وأحياناً تكون القيمة الشرائية للسمكة 10 آلاف ليرة وتباع في المزاد بـ 100 ألف ليرة والعكس صحيح».
وردّاً على سؤال قال: «المهنة ليست بخير بسبب الفوضى السائدة في الصيد وانتشار السمك المستورد مثلاً كيلو السمك الجربيدي البلدي 35 ألف ليرة لبنانية في حين المستورد بـ 7 آلاف ليرة والناس تشتريه، نقوم بتحركات بيد انه ما من آذان صاغية لشكوانا».
وعرض ضناوي لطريقة اصطياد السمك حديث الولادة، والذي يتم اصطياده والقضاء عليه من دون أن يستفيد منه لا المواطن ولا الصياد، مؤكداً أنّه لو كانت هناك رقابة وقوانين تنظم المهنة لما وصلنا الى ما نحن عليه اليوم.