عام >عام
الموت بين الزهراني وصور: إهمال الدولة أم «لعنة نبي»؟
الموت بين الزهراني وصور: إهمال الدولة أم «لعنة نبي»؟ ‎الاثنين 16 10 2017 10:27
الموت بين الزهراني وصور: إهمال الدولة أم «لعنة نبي»؟


سقوط قتلى في حوادث سير على أوتوستراد الزهراني ـ صور بات أمراً شبه يومي. العدد الأكبر من الحوادث يتركّز في محلة «النبي ساري»، بين أنصارية وعدلون. فداحة الخسائر في الأرواح أثارت تساؤلات عن العوامل الإضافية للسرعة الزائدة. الكشف الهندسي أظهر عيوباً في إنشاء الأوتوستراد، فيما سكان المنطقة يؤمنون بأن «لعنة النبي» تلاحق الطريق وسالكيه!

 

ليس سهلاً العثور على مكان مقتل الشقيقين عبد وزينب بيضون في حادث سير وقع الأسبوع الماضي على أوتوستراد الزهراني ــــ صور. على الحاجز الإسمنتي الوسطي، بين أنصارية وعدلون، وعلى الفاصل الحديدي بين الطريق وقناة تصريف مياه الأمطار وأعمدة الإنارة الجانبية، آثار ارتطام متكررة أدى بعضها إلى تكسر أجزاء من الحاجز والتواء أجزاء من الفاصل والأعمدة.

بحسب شهود عيان، قضى الشقيقان بعد ارتطام سيارتهما بعمود إنارة وانقلابها واشتعال النيران فيها. السائق كان يقود بسرعة زائدة عندما فقد السيطرة على السيارة لحظة نزوله في «منخفض» في منتصف الأوتوستراد بين محلة النبي ساري وأبو الأسود في سهل عدلون. «المنخفض» ظهر بعد سنوات من إنشاء الأوتوستراد، وهو يزداد «انخفاضاً». والشقيقان بيضون ليسا أول الضحايا، وقد لا يكونان آخرهم. وعلى الأرجح أن موقع الحادث ــــ حيث تقع معظم حوادث السير ــــ ليس المكان الوحيد الذي قاد فيه عبد بيضون سيارته بسرعة زائدة على طول الأوتوستراد. فلماذا «تحتكر» هذه النقطة تحديداً معظم حوادث الأوتوستراد وتحصد معظم ضحاياها، حتى باتت «حوادث النبي ساري» ظاهرة؟

بعد الكشف الفني، توصل القسم الهندسي في اتحاد بلديات ساحل الزهراني إلى أن تنفيذ الطريق اعترته عيوب عدة تزداد سوءاً بمرور الزمن. وهي، مع السرعة الزائدة، تنتج حوادث مروعة وقاتلة. الجمعة الفائت، سلّم رئيس الاتحاد علي مطر، تقريراً مفصلاً بنتائج الكشف للمدير الإقليمي لوزارة الأشغال العامة والنقل في الجنوب علي حب الله. علمياً وميدانياً، شخّص المعنيون الداء، في انتظار دواء وزارة الأشغال الوصية على الطرقات العامة. مع ذلك، يؤمن بعض الضحايا الأحياء، وكثير من أهل المنطقة، بأن للحوادث سبباً آخر. إنها «لعنة النبي ساري» الذي اقتطع الأوتوستراد جزءاً من حرم المقام الذي يحمل اسمه.

«مرجَّحَة ميّة بالميّة». يضرب حسن غزالة بكفه على طرف الكنبة. يؤمن «أبو قاسم» الذي تولى حراسة المقام ورفع الأذان فيه لسنوات في السبعينيات، بأن جرف جزء من أرض الوقف المدرج ضمن أوقاف المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، «عاد باللعنة على الناس ويسبّب تلك الحوادث القاتلة». يلفت إلى أن مساحة الوقف تبلغ 65 دونماً و700 متر. مرّ الأوتوستراد بجانب الغرفة الرئيسية حيث دفن صاحب المقام الذي يعتقد بأنه وليٌّ صالح يدعى محمد بن أحمد الساري، هرب من تونس إلى شاطئ عدلون واتخذ من أعلى تلة فيها سكناً له مع زوجته وأولاده السبعة قبل نحو 600 عام. ضريح «النبي» لا يزال قائماً. لكن الطريق جرفت غرفتين تابعتين للمقام ونحو خمسة قبور يُعتقد أنها تعود إلى أفراد عائلته. واللافت أن المخطط الذي وُضع للمشروع في التسعينيات، كان يمكن أن يحيد عن حرم المقام غرباً ويلتفّ شرقاً باتجاه البساتين التي كانت تعود ملكيتها إلى الرئيس رفيق الحريري. لكنه فضّل اقتطاع جزء من أرض «النبي» على اقتطاع جزء من أرض الحريري!

«أبو قاسم» على يقين بأنّ جرف القبور الخمسة سبّب فتح عشرات القبور لضحايا حوادث السير. يجزم «خادم النبي ساري» بأنّ «أرض الوقف وقف، والمكان فيه ربط. هناك شيء اسمه حرمة المقام. الدولة تسجن من يمسّ بأملاكها. فماذا يفعل النبي؟». تقاطعه ابنته: «ما ذنب الناس إذا كانت الدولة هي التي جرفت أرض المقام؟». لا يعلّق «أبو قاسم»، لكنه يعرض مواقف عدة تعرض لها أشخاص حاولوا سرقة موجودات من داخل المقام وخارجه. أحدهم قلع حجارة من حرم المقام وحمّلها في شاحنة فتعطلت فجأة. غزالة أكد له أنه «إذا أعاد الحجارة إلى مكانها يدور المحرك، وهكذا كان».

يقين غزالة شائع بين أهالي المنطقة. إحدى جارات المقام مقتنعة بأن الناس يدفعون ثمن المسّ بحرمته. تستفيض في الحديث عن «كرامات النبي» بتحقيق النذورات: «نذره لا يخرم». لا تكترث لشرح زوجها المتخصص بالأشغال والبنى التحتية حول الأسباب الإنشائية المسؤولة عن الحوادث. تنقل عن والدتها كيف شُلّت حركة شخصين حاولا سرقة جرار زيت زيتون وُضعت نَذراً أمام الضريح، وعندما وضعاها أرضاً استعادا قدرتهما على الحركة!

المقام الذي كان عبارة عن غرفة صغيرة مرتفعة تعرّض للتخريب والهدم الجزئي من قبل جيش العدو الإسرائيلي خلال اجتياح عام 1982. بعد 2006، أخضعته جمعية الإمداد الخيرية لورشة ترميم شاملة، فشُيدت قاعة كبيرة فوق الضريح، وفُصل عن الأوتوستراد بحائط دعم ضخم، ليتحول إلى أحد أبرز المواقع السياحية الدينية، إذ يؤمّه زوار من خارج لبنان.

انحراف ومنخفضات وتشققات

الكشف الفني الذي أجراه مهندسو اتحاد بلديات ساحل الزهراني على الأوتوستراد أظهر مساوئ في التنفيذ تشكل خطراً كبيراً على سلامة المارة. مطر أكّد لـ«الأخبار» أن العيوب لا تتركز بين أنصارية وعدلون فحسب، بل على طول الأوتوستراد من جسر الزهراني حتى أبو الأسود. ويلفت إلى تشققات تزداد على جسور الزهراني وتفاحتا والبيسارية وعدلون، «لأن الشركة المنفذة لم تدكّ الإسفلت مع الإسمنت كفايةً». أما «كوع النبي ساري» الذي يبلغ طوله 1400 متر، فالعيب الإنشائي فيه يتمثل بانحراف المسلك الغربي من الطريق في الاتجاه المعاكس، خلافاً لمعايير السلامة العامة. وبناءً عليه، «تقع السيارة المسرعة في الفخ لدى وصولها إلى المرتفع عند محلة انصارية قبل أن تبدأ بالانخفاض تلقائياً بشكل سريع حتى يجد السائق أن المقود يشده بقوة نحو اليمين بالدفع العكسي بسبب ميول نصف الطريق الغربي بانخفاض 45 سنتمتراً في اتجاه قناة المياه. فيفقد الكثيرون السيطرة على سياراتهم ويطيرون خارج الطريق نحو الوادي والحقول المحاذية». يلفت مطر إلى أن وزارة الأشغال حددت السرعة في تلك المنطقة بـ100 كلم عند افتتاح الأوتوستراد وفق إشارات ثُبِّتَت على جانبي الطريق. «لكن هذه لم تعد كافية. والمطلوب استحداث إشارات تطلب من السائقين خفض السرعة وتحذرهم من انزلاقات خطيرة، وتسيير دوريات دائمة لمفرزة السير»، مشيراً إلى أن غياب الإنارة الليلية يزيد الأمور سوءاً بسبب انعدام الرؤية. الكشف الفني لفت أيضاً إلى المفترقات غير الشرعية التي استحدثت في السنوات الماضية للوصول إلى البلدات المحاذية للأوتوستراد، إذ أصبح لكل بلدة أكثر من مدخل ومخرج، فيما المخطط الأصلي يشتمل على ثلاثة مفترقات فقط في الزهراني والسكسكية وأبو الأسود. ويؤكد مطر أن هذه الفتحات تساهم في زيادة حوادث السير.

المصدر : آمال خليل - نظمية الدرويش