عام >عام
قلعة دير كيفا الاثرية: اكبر قلاع الجنوب مساحة وأقدمها تاريخا تناشد الدولة الالتفات اليها
قلعة دير كيفا الاثرية: اكبر قلاع الجنوب مساحة وأقدمها تاريخا تناشد الدولة الالتفات اليها ‎الأربعاء 29 11 2017 10:16
قلعة دير كيفا الاثرية: اكبر قلاع الجنوب مساحة وأقدمها تاريخا تناشد الدولة الالتفات اليها

محمد حسن بري

قلعة ديركيفا سيدة المعالم الاثرية المتربعة بين تلال جبل عامل في جنوب لبنان. سليلة التاريخ الحافل بالتحديات، العاصية على الدهر، العاصفة بالنسيان، المتمردة على ألوان العوامل الطبيعية والاحتلال من المماليك والعثمانيين، وصولا الى الاعتداءات الاسرائيلية التي دمرت معلمها وعبثت في هندستها وعمرانها من العام 1976 حتى العام 2006 حين دكت حصونها بالمدفعية وبصواريخ الطائرات الثقيلة، الا أن هذه القلعة ظلت تحتضن تاريخا طويلا من التراث المدفون بين التراب والحجارة والركام يحاكي اهمية وعظمة هذا المعلم الذي يرى فيه الكثيرون ضرورة لإبقاء الذاكرة حية ولو عبر حجارة تستصرخ الضمائر وتردد "من لا ماضي له، لا حاضر له، ومن لا حاضر له، لا مستقبل له "، وهذا ما دفع المخلصين للتراث من أبنائها الى السعي بما تيسر للاهتمام وإعادة الترميم ولو جزئيا، و كان آخرها عقد توقيع ترميم بتاريخ 8 تشرين الثاني الحالي، برعاية رئيسة الجمعية اللبنانية للحفاظ على اثار وتراث الجنوب اللبناني رندة عاصي بري والكتيبة الفرنسية ممثلة بالعقيد نيكولا دورون والعقيد دو فيوال ورئيس اتحاد بلديات صور المهندس حسن دبوق ونائب رئيس البلدية وسام مدلج وكذلك تدشين هبة فرنسية للقلعة وقاعدة وخيم قرميد.

دبوق
ولفت دبوق الى تمويل الاتحاد لكلفة الدراسات اللازمة من اجل اعادة ترميم القلعة وتأهيلها من خلال تكليف مهندس مختص. وأصبحت هذه الدراسة جاهزة بانتظار التمويل للقيام بما يلزم لإعادة القلعة الى سابق عهدها الاصيل وابراز معالمها وإعادة وضعها على الخريطة السياحية.

مدلج
وبدوره، قال مدلج: "طالبنا وزارة الثقافة اكثر من مرة من خلال زيارات قام بها المجلس البلدي للاهتمام بالقلعة كمعلم سياحي وتاريخي وتراثي والى اليوم لم نلاق أي تجاوب او اهتمام بحجة ان الاموال غير متوفرة. لكننا لم نيأس بل آلينا على أنفسنا في المجلس البلدي القيام بمبادرة للترميم، وأعدنا بناء السور الجنوبي للقلعة الذي يبلغ طوله ستين مترا بارتفاع ستة أمتار مستخدمين نفس الأحجار. كذلك ترميم برجين مربوطين بالسور بمواصفات معمارية وهندسية تحاكي باقي أقسام القلعة وذلك بتمويل من صندوق البلدية بالرغم من الكلفة العالية. كما وقمنا ببناء ممرات داخلية في القلعة وحصلنا على تمويل من قبل اتحاد بلديات قضاء صور عبر جمعية TNT مشروع التشبيك المناطقي لتعزيز السياحة المستدامة في دول حوض المتوسط، الممول من الاتحاد الاوروبي لتنفيذ مشروع بناء ممرات حجرية وخشبية وحواجز حماية داخل القلعة وعلى أطراف المناطق العالية فيها، من أجل تأمين سلامة الزائرين لها نظرا لوجود آبار كثيرة في باحاتها، إضافة الى بناء بوابة للمدخل الرئيسي من الخشب القديم تتناسب والشكل التاريخي للقلعة كما قدم رئيس مجلس الجنوب الدكتور قبلان قبلان مشروع انارتها في العام 2015".

زيتون
وأوضح أحد فعاليات البلدة أحمد زيتون، أنه "بعد الترميم الجزئي والبسيط وإنارة السوار ومداخل القلعه، وفد اليها العديد من الجمعيات الاهلية والتربوية وبالأخص طلاب من مدارس النبطية وصيدا وبيروت، وعدد من ضباط وجنود "اليونيفل" من الكتيبة الفرنسية والايطالية والفنلندية ولم يخفوا اعجابهم باتساعها وكبر مساحتها وأسفهم على اهمالها وعلى ما آلت اليه".

وقال: "في العام 2007 عندما ضربت الهزات المتكررة منطقة صريفا، تأثرت جدران القلعة وتشققت وتصدعت فزارها لهذا السبب وللمعاينة وفد من هيئة العليا للإغاثة برفقة محافظ الجنوب وقائمقام صور حسين قبلان، وسمعنا منهم وعد بالترميم وحتى الان لم ينفذ. وفي السنوات الماضية قمنا بحمايتها من الباحثين والمنقبين والمعتدين، ومنع تشييد أي بناء بالقرب منها يرتفع ويغطي وجهتها".

وتمنى ان "تهتم الدولة والمعنيين بترميم القلعة اسوة بباقي القلاع والحصون والمعالم الاثرية لحفظها وبقائها وديمومتها وازدهار المنطقة، وان تدرج على الخريطة السياحية".

وتحدث أحد احفاد آل بندر (77 عاما)، الذين كان لهم الدور الفاعل في حقبة زمنية من تاريخ القلعة حيث سكنوها وأداروا حكم البلاد، فاعتبر ان "ملكية القلعة تعود لأجداده الاوائل"، وعند اول سؤال تناول تفاصيل السيرة والتاريخ وكأنه معجم القلعة وموسوعتها.

وقال: "تعتبر قلعة دير كيفا من أقدم قلاع لبنان كانت فينيقية وأكبرها مساحة في الجنوب، رفع اعمدتها وأنقاضها الصليبيون وجعلوها نقطة حماية عسكرية للقدس التي تبعد عنها عشرات الكيلومترات. وخلال الحروب دمرت اقسام كبيرة منها، واعاد ترميمها القائد الصليبي الفرنسي ميرون وسماها باسمه. وبعد سنين سقطت بيد السلطان المملوكي قلاوون وهدمها عام 1289 ميلادي كي لا تحتمي فيها الفلول الصليبية. بعدها جدد بناءها الشيخ عباس محمد النصار الوائلي ابان الحكم العثماني عام 1761، وجعلها ثكنة عسكرية ومسكنا لعائلته وتوارثها ابناؤه وصولا الى الشيخ كايد بندر.

القلعة
تبلغ مساحة القلعة 17 ألف متر مربع وتتألف من ثلاثة طوابق، تحتوي على العديد من الأقبية والخانات المدمرة والغرف وبيوت حجرية متعددة وإسطبلات الخيول والسجون والملاعب والباحات ومخازن القمح، ينتشر فيها 365 بئرا لتجميع المياه، وكان فيها 4 ينابيع قد جفت منذ سنوات.

يبلغ ارتفاع سورها من 6 امتار الى 12 مترا بعرض مترين، لها سبع زوايا على كل منها برج مراقبة نصف دائري بقطر 8 امتار يستعمل للحراسة والقنص والدفاع. ترتفع عن سطح البحر 400 م. وتطل على العديد من البلدات: من الشرق جبل مارون وبلدة برج قلاويه، من الجنوب بلدة دير كيفا، من الشمال صريفا والنفاخية ومن الغرب الأودية حتى البحر.

جولة ميدانية
وفي جولة ميدانية، وأنت تقف على أطلال منشآتها المدمرة تشعر بعظمتها وقيمتها التاريخية التي تتحدى كل العوامل الطبيعية والعدوانية والإهمال والتقصير حيث لم يبق من غرفها المتناسقة الانحناء إلا ما ندر في القسم الشرقي والشمالي. وتنتصب ثلاثة أبراج متشابهة الارتفاع متناسقة التوزيع تفصل بينها جدران تتوازى معها في الارتفاع والشكل. ورغم الاعشاب والدمار، تلاحظ القاعات الهندسية في وسطها الحصن. ويرتفع بين البرجين الشمالي والجنوبي جدار شاهق يلتقي وسطه في زاوية أكثر ارتفاعا. وبين هذه القاعات أقبية القسم الغربي وهي واسعة منحنية السقوف مرتفعة الجدران متصلة بعضها البعض، غطى الردم أجزاء منها وتطل نوافذها التي اعدت للحراسة والمراقبة على الطرق المحيطة بها غربا وصولا الى البحر.

وفي العديد من الغرف، تطل من كوة سقف علك تهتدي إلى مدخلها ولا تستطيع. بعدها تضيع في أرجاء القلعة لاتساعها وكثرة ممرات وغرف تحتية وفوقية وجدران وعقود، وبئر هنا وآخر وثالث، مما يؤكد الرواية التي تتحدث عن 365 بئرا، بالإضافة الى فتحات السجون التي تتشابه مع الآبار وتنتشر على مدى المساحة الواسعة للقلعة والإسطبلات وغيرها. كما وفي أرجائها تنتشر عتبات أبواب ونوافذ بعضها مستقيم، وأخرى من أقواس أو قناطر لا تزال تحمل في خبايا حجارتها رشاقة قديمة.

وما يدعو للقلق على هذا المعلم التاريخي الضخم المهم، عدم اهتمام الجهات المختصة من قبل الدولة، بحيث لم تدرج كموقع سياحي كونها غير مؤهلة لاستقبال الزوار في وضعها الحالي، ولا سيما أن ترميم القلعة وتأهيلها يحتاج إلى مبالغ مرتفعة، نظرا لامتدادها الجغرافي والعمراني الواسع ولسوء حالتها الهندسية وتصدع ابنيتها وكثرة تراكم الردم وحجمه الكبير.

المصدر : الوكالة الوطنية للاعلام