لبنانيات >أخبار لبنانية
ما حقيقةُ التسجيلاتِ الصوتيّة التي نُشرت؟
الاثنين 11 12 2017 09:56
«عم يقولو إنو بالـ48 ساعة الجايين بدو يصير عمل إرهابي»: محتوى واحد، توزّع على تسجيلاتٍ صوتيّةٍ عدة نُسِب كلٌّ منها لمصدر مختلف، فنال «الصليب الأحمر اللبناني» نصيبَه، «موني» الذي يشغل منصباً أمنيّاً مع مرجع رئاسي كبير كذلك، بعض الإدارات في الوظائف من دون تسميتها وغيرها من المحذّرين، من دون أن يُغفل موضوع التذكير بأنّ السفارات الأجنبية حذّرت هي الأخرى من هكذا هجوم.
لا شك أنّ الحربَ النفسيّة تحسم المعركة في غالبية الأحيان، وما الشائعات إلّا السلاح الأفتك في هذه الحرب، وهو ما يحصل حالياً في لبنان الذي وُسِّع فيه قطرُ ضخّ هذه الدعايات نتيجة انتشار وسائل التواصل الإجتماعي بين مختلف أفراده، وهو ما أثبت أنه يمكن الإستعاضة عن النار والبارود والوصول إلى الأهداف نفسها وبأقل التكاليف والأعباء، فقط من خلال تأليف خبر وربطه بالوضع الأمني والسياسي ورميه على مسامع المواطنين.
مواجهةُ الإستحقاقات
لاحظ اللبنانيون أخيراً أنه قبل أيِّ استحقاقٍ جدّي، سواءٌ كان أمنياً أو سياسياً أو تحذيراً من السفارات، تُخلق موجةٌ من الشائعات التي تتحدّث عن أمور يكون فيها شيءٌ من الصحة أحياناً لكنها تُضخّم كثيراً، فيما تكون غير موجودة من أساسها أحياناً أخرى، وتساهِم حشريةُ بعضهم أو سعيهم لتحذير أقربائهم وأصدقائهم ممّا «قبضوه جدّ» الى نشر الشائعات على نطاقٍ أوسع، موصلين مبتدعيها الى غاياتهم.
وللشائعات أسبابٌ عدة ووسائلُ متنوّعة، وهي كلما التصقت بوسائل الإعلام كثُرت آثارُها السلبية، لكنّ اللافت أنّ وقعَ هذه الأخيرة زاد في الوقت الحالي مع انتشار مواقع التواصل الإجتماعي وسهولة توافر هذه الآليات بأيدي الجميع، ما سهّل تناقل الإشاعة، والتي تهدف أساساً للوصول الى العدد الأكبر من الناس في أسرع وقت، نظراً لما تملكه هذه الأدوات التفاعلية من سرعةٍ في الانتشار والقدرة على إثارة البلبلة والتأثير بالرأي العام كون الناس ينجرّون الى تداولها من دون التأكّد من صدقيّتها.
آثارٌ موجعة
تُعتبر الإشاعة إحدى عناصر الحرب النفسيّة التي يمارسها عدوٌّ ما، غالباً ما يكون متخفّياً ومجهولاً، حيث يُطلق خبراً معيّناً، ويجعل منه الناس قضيّةً مهمّةً عند تدواله، أما الهدف منه فيكون خلقَ بلبلة ونوعاً من اللا توازن في المجتمع، تتأثّر بنتيجته كل القطاعات في البلد، وفي الكثير من الأحيان تؤدّي الإشاعاتُ الى إثارة النعرات داخل المجتمعات غير المتماسِكة، كما يحصل في لبنان.
تطوّرُ الأساليب
إستُخدمت الإشاعاتُ منذ القدم في فترات السلم والحرب على حدٍّ سواء، لكنّ الفرق حالياً هو أنّ تركيبَها أصبح متطوّراً، إذ باتت هناك جهاتٌ منظّمة تقف وراءَها وتحاول إضفاءَ نوعٍ من الجدّية عليها من خلال ذكر بعض المرجعيات التي تعطي ثقةً للموضوع، مثلاً عند تسمية مسؤول في جهاز أمني كبير بالإسم أو عند استخدام كنية الشخص التي لا يعرفها إلّا المقرّبون منه، ما يدلّ على أنّ هؤلاء الناس يدرسون الإشاعة الي تُطلَق ويحاولون إعطاءَها نوعاً من الصدقية ليتأثر بها العددُ الأكبر من الناس.
مَن هم مطلقو الشائعات؟
ليس بالضرورة أن يكون مطلقُ الإشاعة هو المستفيد الوحيد منها، بل يمكن للبعض إستغلالُها لضرب الإقتصاد أو السياحة. لكنّ اللافت هو ظهورُ طرفٍ جديد مجهول يقف وراءَ هذه الشائعات، إذ إنّ المجموعات الإرهابية التي تُعتبر الطرفَ الأساس الواقف في معركة مع الدولة، لا تملك المعلوماتِ الكافية عن الشخصيات التي ذُكرت مثلاً في الشائعات الأخيرة وعن مراكزها وكنيتها إلخ، وهو ما يجعل مهمّة الأجهزة الأمنية أصعب.
كيفيّةُ المواجهة
تواجه الأجهزةُ الأمنية هذا الوضع بتتبّع مصادر الإشاعات ومروِّجيها، وهو ما يحتاج الى جهازٍ فنّي وتقنيّ متطوّر، لكنها حتى لو توصّلت الى حلِّ هذه المشكلة، فإنّ الإشاعة تكون قد انتشرت وتداعياتُها لا تُعالج بسهولة، الى ذلك تساعدها البياناتُ الصادرة عن الجمعيّات التي تُنسَب لها الشائعات، في تكذيبها ودحضها، مع اتّكالها على وعي وسائل الإعلام في عدم نشر أيِّ معلومةٍ إلّا من مصادرها الموثوقة. ومن الأساليب التي تلجأ إليها الأجهزةُ الأمنيةُ لبناء جسر ثقة مع المواطنين، عدم حَجْب المعلومات المتعلّقة بأمور لها صلة مباشرة بمصالحهم.
إضافة الى ذلك، باتت الأجهزةُ الأمنية تملك فريقاً خاصاً يهتمّ بتحليل الشائعات لمعرفة دوافعها ومصدرها وتتبّع مسارّها، لكن في الكثير من الأحيان لا يمكنها الوصولُ الى نتيجة نظراً لوجود تقنيّات متطوّرة لا تملكها الأجهزةُ الأمنيةُ في لبنان، كتوصّلها أحياناً الى أرقام هواتف أجنبية تعرقل عملية التتبّع وتوقفه.
أرضٌ خصبة
لا شك في أنّ الشائعة تشلّ الحركة في البلد، وتؤثر في البنية الإجتماعية من خلال زرع الفتن وتحريكها بحسب الأهداف المرسومة لها، وفي بعض الأحيان تواكبها إيجابيّةٌ معيّنة، حيث تُحبط تلقائياً عملياتٍ كان يمكن تنفيذُها جراء الإجراءات الأمنية التي تُتَّخذ بعيد الشائعة، إذ تؤدّي الإشاعات الى الإيقاع بشبكاتٍ إرهابية في أكثر من حالة.
لكن رغم إجراءاتِ المواجهة، إلّا أنها تبقى صعبة، أوّلاً لسرعة انتشار الأخبار والعجز عن ضبطها، خصوصاً وأنّ اللبنانيّ يشكّل أرضاً خصبةً لتداول هذه الشائعات سواءٌ عن جهلٍ أو عمداً، وقد يكون أخطر ما فيها هو أنّ الناس في غالبيتهم يصدّقونها ويربطون بينها وبين بعض عمليات التنجيم والتبصير التي تحصل ليلة رأس السنة، وهو ما يؤدّي الى إلباسِهم بعض الشائعات حلّة الصدقيّة فيتعاطون معها على أنها أمرٌ حقيقيٌّ وموجود.